هذا الكتاب لم يوضع ليكون صرخة حقد ضد الولايات المتحدة ,وإنما على العكس من هذا فهو بادرة سلام.
أما إذا أراد الاميركيون الانغلاق داخل منطق المذهب المانوي(صاحب عقيدة الصراع بين النور والظلام ) فسوف يسبب هذا تصعيدا للعنف حتى ولو كانوا اكبر قوة في العالم.. فهل يريدون تزايدا لأعمال العنف والإرهاب في أراضيهم? وهل يتطلعون للعيش في مناخ من الخوف والهلع الدائمين? إذا كان الجواب بالنفي وجب عليهم الاعتدال وتهدئة روعهم .
لو رأى الاميركيون للحظة دولتهم بالطريقة التي تراها بها الأمم الأخرى سيدركون الأهوال التي تقدم حكومتهم على ارتكابها, وسيدركون الحاجة لرؤية العالم من منظار أكثر دقة سيفهمون أسباب كون الأمم الأخرى مثقلة بمواعظ اميركا عن الحرية والديمقراطية, وسيدركون أخيرا ما أدركته شعوب الدول الأخرى بأسى منذ زمن طويل.. إن الحكومة الاميركية ليست بريئة كبراءة مواطنيها الذين قتلوا .
هذا الكتاب الذي قام بتأليفه بيتر سكاون, وقد صدر عن الدار العربية للعلوم, وترجمته إلى العربية إيناس أبو حطب, هو فحص متأخر للتاريخ الاميركي الحديث في ضوء ادعاءاته المعقبة للحادي عشر من أيلول بالوضوح الأخلاقي والنوايا البريئة..إنها محاولة لتسليم القراء بالمعلومات لتحدي الحكمة المستقاة لحكومة الولايات المتحدة بخصوص ما حدث.
في 11 أيلول من عام 2001 صدمت طائرتان مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك ما أدى إلى انهيار البرجين ..أما الطائرة الثالثة فضربت مبنى وزارة الدفاع الاميركية- البنتاغون- في واشنطن ,والرابعة كان هدفها البيت الأبيض الاميركي.. ولكنها تحطمت في حقل في بنسلفانيا .
هذا الهجوم أدى إلى مقتل 2900 سخص وأحدث اضطرابا في العالم الغربي كله.. حينها أظهرت جميع الدول الاوروبية تماسكا نموذجيا , ولكنه مخادع,إذ إن ردّات فعل هذه الدول كانت دوما باردة أمام مصائب أخرى اكثر بشاعة حدثت في مناطق أخرى من العالم وذلك أن الأمة الاميركية وبتحريض من الإدارة والإعلام الاميركيين اللذين قاما بتغطية هذه الأحداث كانا يصورانها دائما على أنها الضحية .
عندما ننكب على قراءة التاريخ الحالي للولايات المتحدة ندرك تماما بأن الاميركيين بعيدون كل البعد عن كونهم ضحايا, بل على العكس, فإن تعطشهم للانتقام مثير للسخرية لذلك على الساعات والأيام القادمة أن تكون منطلقا للنقد الذاتي لسياستهم وليس للتطرف والحرب .
يتألف الكتاب من 312 صفحة توزعت على 14 فصلا ومقدمة وملحقا , ولقد تم بحثه وكتابته بسرعة هائلة على مدى 12 أسبوعا في ربيع عام 2002 ,والكتاب إن دل على شيء فهو دليل على كفاءة الاتصال الفائق السرعة بشبكة الانترنت, فبحوثه هي التي أوصلت إلى روابط عديدة قادت أخيرا إلى المصدر الأصلي للمعلومات .
سؤال يطرحه الكاتب: كيف لا يتمكن الاميركيون تحت تأثير الرعب والوطنية من الربط بين سياسات حكومتهم الخارجية وهجمات 11 أيلول ? لابد من وجود رابط, وإلا كيف تفسر ما حدث بطريقة قابلة للتفحص والتدقيق?
إن اقتراح انعدام الروابط بين السياسة الاميركية الخارجية الحديثة بالحادي عشر من أيلول هو مفهوم مثير للسخرية, وبصورة متساوية فإن من الحماقة الادعاء بأن الولايات المتحدة أمة بريئة فاضلة ..ليست تلك حماقة فقط بل هي انهزام, وبسبب المفردات الواضحة والصارمة التي يطالب بها جورج بوش وغيره في خطاباتهم التي أعقبت 11 أيلول - حيث يكون الشرير شريرا, والصالح صالحا, ولا شيء نسبيا- فإن الولايات المتحدة في السنوات الخمسين الماضية قد ترأستها حكومات وحشية غير متعاطفة ,مثلها مثل أي حكومة وجدت في أي وقت.. عندما ينعدم الفارق الدقيق من عالم مملوء بالحرب والموت لا يمكن أن يكون هناك رجال جيدون, حقيقة ساخرة لا تدركها على ما يبدو القيادة الاميركية ,ويتابع مؤلف الكتاب بيتر سكاون القول: ينظر الاميركيون إلى أنفسهم كأمة صالحة, مواطنو الدول الأخرى يقرون بمميزات اميركا, لكنهم أيضا يعرفون اميركا كراعية لإرهاب الدولة ومؤيدة للديكتاتورية الفتاكة, عندما تطلبت مصالحها ذلك...لم يكن هدف بن لادن أسلوب الحياة الاميركية ,ولا الحضارة بالكامل.. كان هدفه حكومة الولايات المتحدة حيث كانت أنشطة تلك الحكومة في الجزء من العالم الذي يطلق عليه الوطن مبرره الفاسد,ربما كان يستهدف التميز الاميركي أيضا.رغم أن هذا قد يعطيه الكثير من الصحة, لكن الإرهابيين لا يقتلون السياسات أو المعتقدات بل يقتلون الأبرياء .. يجب أن لا تستسلم دولة لمطالب الإرهابيين ,لكن لا تقدر أي دولة على تكبد نتائج تجاهل الآلام المسببة لمطالب الارهابين لأنها أحيانا شكاوى صائبة يشترك فيها العاقلون .
في الحقيقة السياسيون الاميركيون والمعلقون الإعلاميون بعد 11 أيلول عاجزون, أو غير راغبين بمواجهة الحقائق, ويفضلون الخوض في البديهيات القومية المتطرفة, لقد أومأوا بالموافقة الصامتة المستسلمة عندما حول رئيسهم مقدمتهم في الإرهاب إلى عصر جديد من الهيمنة العالمية الاميركية معلنا أنه من الآن فصاعدا يحتفظ بحق غزو أي دولة تحمي الإرهاب لقد أخفقوا في ملاحظة بأنه كان بطريقة ما يستأنف الحرب الباردة مستخدما الإرهاب وليس الشيوعية كتبرير لإعادة تسليح الأنظمة الاستبدادية ولتنفيذ نشاطات اميركية أخرى مشكوك فيها في الخارج .
ويؤكد الكاتب أن تصريحات الرئيس بوش حول الخير والشر, بالإضافة إلى دعواته إلى بلوغ هدف أسمى في الدفاع عن الحضارة كان يخفي الأهداف الاميركية الأساسية :
- تأمين طرق النفط من بحر قزوين واميركا الجنوبية.
- زيادة ميزانية الدولة العسكرية الضخمة في الأساس .
- تأسيس قواعد عسكرية جديدة في المناطق الرئيسية .
- إعادة تثبيت وجوده العسكري في المحيط الهادي وآسيا الشرقية .
- متابعة سيطرته على الشرق الأوسط بكل مقدراته .
- تقليص مقاومة التجارة الحرة من قبل الأسواق الأجنبية التي لم يصل إليها بعد .
سؤال أخير يطرحه الكاتب: كيف تريد لأمة ما أن تظهر النضج في الوقت الذي يؤدي فيه حدث كبير كأحداث 11 أيلول إلى تعزيز مثاليتها الملموسة والمضللة بدلا من أن يؤدي إلى إعادة نظر في سلوكها الملموس والمضلل?
ماذا يمكن أن نفعل بدولة تعتقد أن الإرهابيين هاجموها لأن البلدان المسلمة لم يتم إعلامها بشكل ملائم عن مدى عظمة الولايات المتحدة ?.
- كل ماهو مطلوب لتصحيح ذلك الأمر هو بث المزيد من أغنيات بريتني سبيرز على الموجات الإذاعية في الشرق الأوسط كما صرح مسؤول رسمي أثناء جلسة لمجلس الشيوخ في حزيران 2002 لهذا السبب لا أملك أي أجوبة.. وأشعر بالحيرة .
وأخيرا سوف تكتشفون عند قراءتكم هذا الكتاب بأن الاميركيين هم أبعد ما يكونون مؤهلين للعب دور العذارى المهانة .