تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


عرابو الحرب اللبنانية.. زعماء لبنان الحديث..

لوموند ديبلوماتيك
دراسات
الأحد 9/10/2005م
آلان غريش/ ترجمة: دلال ابراهيم

في مقال مطول له نشرته صحيفة لوموند ديبلوماتيك سلط الصحفي والكاتب الفرنسي الشهير آلان غريش في رسالة له

من العاصمة اللبنانية بيروت الأضواء على التطورات الدراماتيكية للأحداث التي شهدتها لبنان عقب اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. ولأهمية الموضوع نستعرض بعضاً مما جاء في هذا المقال:‏

في حين كان يصرخ اللبنانيون بقوة وبأعلى صوتهم أن لبنان قد قلب نهائياً صفحة الانقسامات فيه, جاءت الأحداث متسارعة الى حد كان يصعب على المراقب فهم ما يجري.‏

إذا وإثر القرار القاضي بتمديد ولاية الرئيس لحود ثلاث سنوات أخرى, أعرب عدد من النواب عن دهشتهم لهذا القرار, بحجة عدم علمهم به سوى في اللحظات الأخيرة, علماً أن قراراً مثله كان قد تم اتخاذه في عام ,1995 في عهد الرئيس الياس الهراوي, ولم يثر أي اعتراض سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي. إلا أن السياق الدولي قد تبدل, فقد قررت كل من باريس وواشنطن احكام ضغوطهما على دمشق, وتم في الثاني من شهر أيلول 2004 التصويت في مجلس الأمن بأغلبية ضعيفة (تسعة أصوات من أصل 15 صوتاً) على القرار رقم 1559 يطالب سورية بسحب قواتها من لبنان ونزع سلاح المليشيات, ويذكر الجميع أنه وبعد فترة تردد قدم الرئيس رفيق الحريري استقالته وفي /14/ شباط تم اغتياله, وبسرعة فاقت عملية اغتياله وتوجهت أصابع الاتهام نحو سورية, تغذي هذه التهم وسائل الإعلام, وحشدت المعارضة الجماهيرية حول ثلاث نقاط: الحقيقة-أي في اغتيال الحريري, واستقالة رؤساء الأجهزة الاستخباراتية اللبنانية, ورحيل القوات السورية.‏

ونزل إلى شوارع بيروت في تظاهرة الآلاف من اللبنانيين وحاكت هذه الأحداث اللبنانية الثورة البرتقالية في أوكرانيا, والثورة الوردية في جورجيا, أي أنها لاقت صدى دعائياً واسعاً لها من قبل وسائل الإعلام الوطنية والدولية, ولكنها كالعادة نزعت إلى طمس التاريخ السلمي للبلاد, وعدم فهمه سوى من زاوية ضيقة, سطحية هي: الصراع بين الخير والشر, الصراع بين الديمقراطية والاستبداد, صحيح أن الغالبية من اللبنانيين كانت ترغب برحيل القوات السورية, بسبب الأخطاء التي اعترف بها الرئيس بشار الأسد في خطابه في تاريخ /5/ آذار, وأعلن فيه انسحاب قواته من لبنان رغم الدور الإيجابي الذي لعبته هذه القوات في وضع حد للحرب الأهلية في لبنان, مساعدته في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي, وتحرير الجنوب.‏

ولا شك أن أي مراقب ومتابع للأحداث قد أصابته الصدمة من هذه التطورات, فمعظم الزعماء الذين كان لهم الباع الطويل في اشتعال الحرب الأهلية والذين مدوا أيديهم للقوات السورية قبل أن يديروا لها ظهورهم, صاروا في مقدمة المعارضة, وفي مواجهة الحدث, ولم يبرز أي وجه جديد خلال هذه الأحداث, بل بقي الجميل, جنبلاط, الحريري, فرنجية, شمعون..الخ.‏

يواصلون الهيمنة على اللعبة, أي منهم لم يتقدم باقتراح بسيط لإصلاح النظام السياسي القائم على أساس طائفي, ومذهبي ومحاربة الفساد فقط شعار واحد أطلقوه (السوريون هم المسؤولون عن جميع مفاسد لبنان) شعار ألهبوا به الجماهير, وفي هذا الصدد يعلق أحد الاقتصاديين اللبنانيين قائلاً: (نحمل مسؤولية الفساد على السوريين, كما نحمل مآسينا عام 1983 على الفلسطينيين, وأحد لا يسأل عن المبالغ التي سرقها مسؤولون لبنانيون, فكيف بلغ الدين اللبناني ما بين عامي 1992-1998 في عهد رفيق الحريري إلى /18/ مليار دولار?).‏

نشأ لبنان على أساس طائفي, وهو نظام يعود تاريخه إلى عهد الحرب العالمية الأولى, حين حصلت فرنسا على تفويض من عصبة الأمم بالانتداب على لبنان عام ,1920 وفي الدستور الذي فرضته باريس عام ,1926 تنص المادة /95/ منه على ما يلي:‏

(بصفة انتقالية وبهدف العدالة والوفاق, يجري تمثيل الطوائف اللبنانية بالتساوي في جميع الوظائف العامة, وفي التشكيلات الوزارية).‏

وتم التأكيد على هذا الدستور خلال استقلال البلاد, ضامناً الهيمنة السياسية للطائفة المارونية, وفي اتفاق غير مكتوب يكون رئيس الجمهورية من الطائفة المارونية, ورئيس الوزراء من الإسلام السنة, بينما رئيس مجلس النواب فهو من الشيعة, وتوزع مقاعد البرلمان على قاعدة تعطي /6/ مقاعد للمسيحيين, مقابل /5/ مقاعد للإسلام.‏

وجاء اتفاق الطائف ليعدل هذه النسبة بحيث ساوى بين الإسلام والمسيحية, علماً أن الإسلام يشكل حالياً أغلبية ديمغرافية تقدر بحوالى 60%, وجرى التوقيع على هذا الاتفاق في عام ,1989 ووضع حداً برعاية سورية ودولية للحرب الأهلية التي انهكت البلاد منذ عام ,1975 وأزهقت أرواح الآلاف من اللبنانيين ونصت بشكل خاص أن على إنهاء الطائفية السياسية هو هدف وطني أساسي, يقضي تحقيقه عملاً مبرمجاً على مراحل.‏

وكان ينبغي بعد انتخاب برلمان جديد, تشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الدولة تتشكل بالإضافة إلى رئيس البرلمان ومجلس الوزراء من شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية مهمة,مهمة هذه الهيئة هي دراسة واقتراح الوسائل الكفيلة بإلغاء الطائفية, وعرضها على مجلس النواب والوزراء, ومن ثم وبعد انتخاب أول برلمان وطني غير طائفي يتشكل مجلس شيوخ من مختلف العائلات الدينية, وتنحصر مسؤولياته في المسائل الأولية, وجرت أول انتخابات تشريعية في عام ,1992 وأصبح رفيق الحريري رئيساً للوزراء وتوقفت الإصلاحات, وجاءت النتائج معاكسة, حيث الصراع وبربرية الحرب أرغمت كل شخص للانضواء داخل جماعته أكثر, وصار الانتماء الديني والمذهبي أعلى من الانتماء الإيديولوجي, بالإضافة إلى ذلك لم يؤد قرار العفو الصادر بعد 1989 بالإفراج عن زعماء الميليشيات إلى عودة البلاد إلى تاريخها الطبيعي, ونشر فكرة أن الحرب في لبنان كانت (حرب الآخرين), وانغلق النظام السياسي ضمن نظام طائفي أكثر تشدداً من فترة ما قبل عام ,1975 ويعترف أحد الطلاب في الجامعة الأميركية المعروفة بتعدديتها قائلاً: (إننا لا نختلط أبداً مع بعضنا, والطلاب يلتمون كل حسب دينه, وإن كنا قد تظاهرنا معاً غداة مقتل الحريري, فإن الشك والريبة كانت مسيطرة, كل يتساءل بصمت لمعرفة ماذا يفكر الآخر, وماذا يريد).‏

وفي حين كانت الأحزاب اليسارية المتعددة المذاهب تخبو وتضعف, كانت معظم التنظيمات الأخرى تقوى وتتعزز على أساس طائفي أكثر, وعلى سبيل المثال, الحزب الاشتراكي التابع لوليد جنبلاط, والذي ليس فيه من الاشتراكية سوى اسمه, لا يضم سوى الدروز, أما المارونية فقد انتمت منذ عام 2000 إلى ما يسمى مجموعة قرنة شهوان, وتضم القوات اللبنانية من اليمين المتطرف, والتيار الوطني لميشيل عون, والرئيس أمين الجميل, والحزب الوطني لعائلة شمعون, وبعض المستقلين, وضمن هذا النظام يخلف الابن أباه والعلاقات الطائفية تطغى على التضامن السياسي, وهذ ينطبق على الحياة العامة كما على وسائل الإعلام, وتطالب الجماعات المارونية بتعديل القانون الانتخابي بحيث تستطيع كل طائفة على حدة انتخاب نوابها, فأي ديمقراطية تلك?.‏

وكان رمز ثورة لبنان الأخيرة هي ساحة الشهداء, تحتشد فيها الجماهير مطالبة بخروج القوات السورية, وأصبحت الساحة أشبه بقرية من الخيم (مخيم الحرية) على غرار ما حدث في كييف وتبليسي, وعندما خرجت القوات السورية من لبنان لم يعد المكان يجذب أحداً سوى بضعة شبان, والشبان الدين تركوا العلم اللبناني ليحملوا علم القوات اللبنانية, دعوا إلى إطلاق سراح سمير جعجع (شهيد الحرية) والذي لم يخجل نائب أميركي في تشبيهه بنيلسون مانديلا, وفي نفس الوقت كانت تجري احتفالات في القرى والمدن المارونية للإفراج عن جعجع, فمن يكون جعجع? كتبت الديلي ستار لمحة عن حياته في عددها الصادر في نيسان المنصرم تذكر فيه بأنه المسؤول عن اغتيال رشيد كرامي, والعديد من خصومه من الجانب المسيحي, ولا سيما داني شمعون, طوني فرنجية, وزوجته وابنته, وكان قرار العفو عام 1991 قد استثنى جرائم الحرب التي ما زال التحقيق جارياً بها وكان جعجع هو الوحيد الذي ينطبق عليه هذا الوضع, ولو كانت محكمة الجزاء الدولية قائمة في ذلك الحين لكان العديد من المسؤولين اللبنانيين الحاليين, ومن المعارضة سيمثلون أمامها, ويفضل لبنان نسيان تاريخه, ومع ذلك فشلت محاولات إعداد كتاب مدرسي مشترك عن التاريخ لتدريسه, إذ تختلف وجهات النظر حول الماضي, ولا سيما الحرب الأهلية, ولم تجر مصالحة حول هذا الموضوع والسيد جعجع ليس مجرماً كغيره فحسب, بل إنه إلى جانب بشير الجميل شجع القوات الإسرائيلية على غزو البلاد عام ,1982 وكان حينها ارييل شارون وزير دفاع, وخلال حصار بيروت الغربية عرض بشير الجميل المساعدة التي سيقدمها كالتالي: (لقد بدأ بقطع الماء والكهرباء, ونحن مستعدون للذهاب لأبعد من ذلك, وحتى عسكرياً إن اقتضى الأمر, وإن كانت معركة بيروت لا يمكن أن تجري بدوننا, فإننا سنقاتل إلى جانبكم, ولكن يمكنني أن أقدم لكم مساعدة كاملة, عندما تصبح السلطات بين يدي).‏

وتم انتخاب بشير الجميل رئيساً عام ,1982 في ظل الحرب الإسرائيلية وبعدها بأقل من شهر تم اغتياله, وفي ظل نفس الظروف تم انتخاب أخيه أمين الجميل, وفي ذلك الحين لم تكن الأسرة الدولية تهتم أن هذه الانتخابات جرت تحت حراسة الدبابات الإسرائيلية, وخلال تلك الفترة وقعت مجزرة صبرا وشاتيلا, ذهب ضحيتها الآلاف من الفلسطينيين بأسلوب فظيع, وجرت تلك المجزرة تحت حماية الجيش الإسرائيلي, وهذه الجريمة ضد الإنسانية اقترفت تحت قيادة اثنين من القوات اللبنانية, أحدهما سمير جعجع, فهل يمكن أن يدهشنا أن الإفراج سيهز المخيمات الفلسطينية, ويعلق أحد الفلسطينيين في مخيم مار الياس قائلاً: (الجيش اللبناني كان عاجزاً عن حماية العمال السوريين ضحايا العنف في الآونة الأخيرة, فكيف سيكون قادراً على الدفاع عنا, إذ منذ تاريخ 14 شباط المنصرم ازدادت الاعتداءات على العمال السوريين الذين يعملون في أعمال بخيسة الأجر في البناء والزراعة, وعدد منهم تم قتلهم الأمر الذي أدى إلى مغادرة هؤلاء العمال الأراضي اللبنانية وخلق نوع من الشلل في القطاع الاقتصادي, وقد أطلقت منظمة العفو الدولية نداءً للحكومة اللبنانية لمحاسبة المسؤولين.‏

وإن كان الخوف مسيطراً لدى الفلسطينيين فإن الفرح السائد لدى اللبنانيين من خروج القوات السورية وتشكيل لجنة دولية للتحقيق في اغتيال الحريري, لم يخف القلق والخوف من المستقبل, وبدلاً من المصالحة تنظر الجماعات اللبنانية لبعضها البعض بخشية وريبة, وكان غياب أي مشروع واضح لإصلاح البلاد هو الطابع العام في كل حشد, تعززه الانقسامات على قانون الانتخاب, كل يريد إبراز مصالح جماعته, وقد رفض الجميع عدا أمل وحزب الله اقتراح إدخال مقدار من النسبة لفتح النظام الانتخابي, ولم يغرق جوزيف سماحة من صحيفة السفير نفسه في رؤية غزلية ويعترف: (إننا لم نشهد بعد انبثاق وحدة وطنية وإنما خطوات مماثلة لمختلف الطوائف التي خلقت وهماً نظرياً بالوحدة).‏

وهكذا عندما نزلت الحشود في 14 شباط كانت من أجل معرفة الحقيقة عن اغتيال الحريري ومع ذلك تتعمق الآن الهوة بين الطوائف, والسياسة الأميركية في هذا البلد تقوم على أساس التقسيم العرقي-الديني, وتشتعل في لبنان المخاوف من مؤامرة تهدف إلى تقسيم المنطقة (يشكل لبنان الطائفي النموذج الذي تبحث عنه واشنطن لتطبيقه على كامل المنطقة لتقسيمها وإضعافها).‏

وأبرز استطلاع للرأي هذه الهوة وهذا الانقسام, حيث أعرب المنظرون في الخارج عن دعمهم لنزع سلاح حزب الله, بينما أعرب غالبية المسلمين عن معارضتهم لهذا, أيد الموارنة تدخلا فرنسيا -أميركيا في الشؤون اللبنانية, بينما رفض المسلمون هذا التدخل.‏

وللمفارقة يقول جوزيف سماحة: إن الموارنة هم الخاسرون في المرحلة المقبلة, لقد فرح اللبنانيون برؤية العلم اللبناني يلوح به المتظاهرون, ولكن أولئك الذين رفعوا العلم سيطالبون بحصتهم في السلطة, وعندما يرون أن الأمور لا تستند على المواطنية, بل على نظام أساسه التوازن الطائفي, فإنه, ومن الطبيعي أن الطوائف الأكثر تعدادا, تطالب بحصة أكبر في السلطة, وبالتالي فإن نهاية الصراع الطائفي لا يلوح في الأفق القريب.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية