والامهات ساهرات في إعداد طعام السحور, او أداء بعض الزيارات, والحركة دائبة في الأسواق, هذا هو شهر رمضان الذي يقبل كل عام فيستقبله المسلمون بمشاعر فياضة لا يشاركه فيها غيره من الشهور وتستعد له البيوت بمخزون وفير من اصناف الطعام ومن لوازم إعداده إعداداً فاخراً.
وقد استوجب صوم شهر رمضان العناية بأربعة أنواع من الأهلة وهي: هلال شعبان لارتباطه بأول رمضان وهلال الشك وهلال رمضان وهلال شوال.
أما هلال رمضان فتعنى به الدول الاسلامية وشعوبها عناية فائقة وترصد مطالعه حتى تثبت رؤيته فيتحقق أول الشهر ويحق الصيام ويكون ذلك من الايام المشهودة فتؤلف المواكب الدينية وتنار مآذن المساجد وتحتفل الاذاعات والفضائيات, وتطلق المدافع, وتعلن البشائر والتهاني وينشط رجال العلم والوعظ والارشاد.
ضرورة الصوم
هناك حقيقة وهي ان آليات تعامل الأبدان مع الطعام تستوجب ممارسة الصيام, وذلك لان تحويل الجلايكوجين.. والدهون الى غلوكوز واحماض دهنية لإطلاق طاقتها في الاجسام لاتحدث مطلقاً اذ لم يمتنع الإنسان لفترة زمنية محددة عن تناول الطعام, وأعني اذا لم يصم الانسان, فالصائم اذا امتنع عن تناول الطعام يبدأ مستوى سكر الغلوكوز الطبيعي (80 - 120 مللجم / 100 سم3) في دمه ينخفض بعد نحو ست ساعات من بدء الصوم, عندئذ تعزز الغدة الكظرية مزيداً من الهرمونات الحاثة على تحويل الجلايكوجين المحزن الى سكر غلوكوز بواسطة هرمون الادرينالين والكورتيزول وتصنع الغدة الدرقية مثل ذلك عن طريقة افراز هرمون الثيروكسين, وكذلك الغدة النخامية, عن طريق هرمون النمو growth والبنكرياس ايضاً عن طريق هرمون الجلوكاجون glucagan وهكذا تتشارك كل هذه الهرمونات في حث الجسم على تحويل مخازن الطاقة المدخرة على هيئة الجاديكوجين في الكبد والعضلات الى سكر غلوكوز, ليعيد الاتزان المفقود من سكر الدم, وقد اكدت ابحاث العلماء فعل الصيام في زيادة منحى احتراق الدهون طوال ساعات الصوم, كما أشارات الى دوره في استهلاك مخازن الدهون المتراكمة في مناطق ترسيب الدهن في الاجزاء الخارجية من الجسم كالأرداف والعجز والبطن ونحو ذلك.
أشهر الحلويات في رمضان
كان الرسول عليه الصلاة والسلام يعجبه ان يفطر على الرطب والتمر, ويختم به قد سأله عبد الله بن عباس: أي الشراب أفضل? قال: الحلو البارد, أي العسل.
وكانت الحلواء ومازالت يختم بها الطعام , وقد قال لي أحد كبار السن (ان في المعدة زاوية لا تسدها الا الحلاوة على أصله, والآكل اذا اشتهى الحلاوة ثم فقدها وجد حواسه ناقصة).
ومن أشهر حلويات رمضان الكنافة والقطائف والعوامة وقد أكثر الشعراء من وصف القطائف, قال زين القضاة السكندري:
لله دّر قطائف محشوة
من فستق رعت النواظر واليدا
شبهتها لما بدت في صحنها
بحقاق عاج قد حشين زبرجدا
وقد جرت العادة على أكل المكسرات والبقول وهي الجوز واللوز والبندق والفستق والفول المدمس في ليالي رمضان خلال الفترة ما بين وجبتي الافطار والسحور بقصد التسلية, كذلك اعتاد الناس تناول المرطبات أو الخشاف عند انطلاق مدفع الإفطار, وهذه العادة صحية لأن المرطبات المحلاة بالسكر تمتصها الأمعاء في نحو خمس دقائق فيرتوي الجسم وتزول عنه أعراض نقص السكر والماء أثناء فترة الصيام.
أما قمر الدين الذي أصل اسمه (أمر الدين) نسبة إلى بلدته بالشام, فقد اشتهرت بتحضيره من ثمار المشمش وهو يعد من أحب الحلوى في رمضان وهو غني بالحديد وبالاحماض العضوية والأملاح المعدنية ويحتوي على نسبة كبيرة من الفيتامينات (أ,ب,ج) وعلى كميات لا بأس بها من البروتينات والكربوهيدرات اللازمة للجسم وإضافة السكر إليه يزيد من قيمته الغذائية.
شهر الصوم بين الماضي والحاضر
إن الصوم تجربة روحية بالغة العمق ومتعددة المستويات فهي لا تنحصر فقط في مجرد الإمساك عن المفطرات وإنما تتجاوز ذلك إلى ضبط النفس عند الغضب والامتناع عن إيذاء الناس إلى جانب مشاركتهم في السراء والضراء وبذل المعروف لمن يطلبه والصدقة لمن يحتاج إليها.
وأجمل مافي رمضان أنه يجمع الأسرة ويلمها على مائدة واحدة في وقت واحد لتجاذب أطراف الحديث ولتزاور الأهل بعد صلاة التراويح, هذا ما كان يحدث في الماضي, أما اليوم وبعد أن دخل الدش في حياتنا وأصبحت الفضائيات تتسابق بتقديم ما يلهي الناس ويشغلهم حتى عن أقرب الناس إليهم, أصبح أكبر إدمان دخل حياتنا, فقد أصبح البديل لعلاقة الطفل بأبيه, وأصبح للمرأة المرشد الأمين في تعليم أصول الحياة وفنون السعادة الملونة, وأصبح للمراهق هو الذي يصوغ خطواته نحو المستقبل,وأصبح للكبار هو البلورة السحرية التي تمتص رحيق العمر وهم جالسون أمامه, إنه إدمان العصر الذي فتت العلاقات الإنسانية.
لا مانع من بعض الترفيه في رمضان, لكن من المهم أن يغلب الجو الروحي, بالحب وبالصدق وبالإخلاص وبالسعي وبالود وبالخير تمحى كل خطايا الإنسان, فالجهد الذي يقوم به الصائم هو جهد إيجابي خالص بل إنه يتميز بجمعه بين التزام الأعضاء وضبط المشاعر.
والمعادلة الصعبة في جعل الباطن يتطابق تمام الانطباق مع الظاهر, وتلك إحدى علامات الإخلاص ودلالات التقوى.