تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بوش قائد الحرب الطائشة..

نيويورك تايمز
ترجمة
الاحد 28/8/2005
بول غروغمان - ترجمة حكمت فاكه

يتحدث الكاتب والمحلل السياسي الأميركي المعروف -بول غروغمان- في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز NEW YORK TIMES عن الآثار الكارثية التي خلفتها حرب بوش على العراق ومناطق أخرى ويقول:إن الأشخاص الذين سوقوا للحرب غير قادرين على مواجهة حقيقة أن أوهامهم الخاصة بخوض حرب صغيرة ورائعة قد قادت البلاد إلى كارثة.وفيما يلي ترجمة لأهم ما جاء في المقال:

خلال زيارتي لفيينا,عاصمة الامبراطورية النمساوية سابقاً,شاهدت أن كل ساحة أو ميدان تقريباً يوجد فيه تمثال ضخم لأحد أباطرة أسرة -هابيسبرغ- التي حكمت تلك الامبراطورية,يصور هذا التمثال الامبراطور على هيئة بطل من الأبطال الفاتحين ممتطياً صهوة جواده.‏

وبدورهم أدرك مؤسسو أميركا جيداً كيف تداعب الحرب غرور الحاكمين وكيف تروي عطشهم للمجد لهذا السبب كانوا حريصين على حرمان الرؤساء الأميركيين من الميزة التي كان يتمتع بها الملوك والأباطرة وهي شن الحرب على رغبتهم ومزاجهم.‏

لكن الذي حصل بعد الحادي عشر من أيلول,هو أن الرئيس الأميركي بوش وبولع غريب وعجيب راح ينصب نفسه (رئيساً للحرب) ويفعل ما بوسعه ليجعل اهتمام الأمة منصباً على الشؤون الحربية من خلال مطاردته لتنظيم -القاعدة- وبعدئذ إلى حرب ضد صدام حسين الرئيس العراقي السابق.‏

في الحقيقة ما فعلته الولايات المتحدة بقيادة بوش هو شنها الحرب الخطأ في المكان الخطأ ينسف الديمقراطية من أساسها وجذورها,حتى ولو لم تتحول تلك الحرب إلى مستنقع فيه أقدام القوات الأميركية كما هو عليه الوضع في العراق حالياً.ونحن الأميركيين لن نستطيع الخروج من هذا المستنقع,إلا بعد مواجهة الحقائق المتعلقة بالكيفية التي جعلتنا نتورط في هذه الحرب من الأساس.‏

في هذا الإطار دعوني أتحدث قليلاً عن الذي نعرفه حالياً عن القرار الخاص بغزو العراق على أن نركز بعد ذلك على الأسباب التي تجعل من هذا الحديث أمراً في غاية الأهمية في الوقت الحالي.‏

لقد منعت الحكومة الأميركية إجراء أي تحقيق حول مبالغتها في تقدير الأسباب التي دعتها لشن تلك الحرب لكن يوجد الآن الكثير من الأدلة والحقائق الدامغة التي تشير إلى أنها قد فعلت ذلك.‏

الفكرة قديمة‏

لنأخذ على سبيل المثال ما يعرف باسم مذكرة داوننغ ستريت DOWNING STREET,وهي عبارة عن وقائع اجتماع لرئيس الوزراء البريطاني في تموز من عام 2002 قام فيه رئيس الاستخبارات البريطانية لما وراء البحار بإطلاع الحاضرين في الاجتماع على رحلة كان قد قام بها في تلك الفترة إلى العاصمة الأميركية واشنطن.‏

لقد جاء في تلك المذكرة (أن بوش كان يرغب في إقالة صدام عن الحكم بالوسائل العسكرية,ومن خلال القيام بالربط بينه وبين الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل,وعلى هذا الأساس تم العمل على أن تؤكد جميع المعلومات والحقائق والتي يتم جمعها إثبات وجود مثل تلك العلاقة) لكن الذي حصل بعد الإعلان عن تلك المذكرة في صحيفة التايمز THE TIMES اللندنية أن أجهزة الإعلام الأميركية المختلفة قد تجاهلتها لمدة تزيد عن خمسة أسابيع,وحتى بعد أن قامت بعض تلك الأجهزة بنشرها,فإنها ادعت أن ما جاء فيها كان يمثل -معلومات قديمة- وهو ادعاء أرى أنه ليس صحيحاً أبداً.‏

والذي يجعلني أقول ذلك هو أن المطلعين على بواطن الأمور في وسائل الإعلام الأميركية,كانت لديهم شكوك قوية حول ذلك وهي (رغبة ونية بوش في شن الحرب بحجة أسلحة الدمار الشامل) ولكنهم لم يخبروا لا مشاهديهم ولا قراءهم ولا مستمعيهم عنها,كما أنهم لم يحاسبوا بوش على تصريحاته المتتالية بأنه قد لجأ إلى الحرب باعتبارها خياراً أخيراً ودعوني أوضح الأمور بشكل أفضل ستكون الولايات المتحدة الأميركية قريباً أمام خيارين وهما:البدء بتخفيض مستويات القوات الموجودة في العراق,أو المخاطرة بانهيار الجيش الأميركي الحالي القائم على نظام التطوع.وعلى الرغم من تلك الحقيقة,فإن الإدارة ومؤيديها نجحوا في منع إجراء أية حوارات مفيدة وناضجة حول الحاجة إلى الخروج من العراق.‏

السبب في ذلك يرجع في جزء منه إلى أن الأشخاص الذين سوقوا للحرب غير قادرين على مواجهة حقيقة أن أوهامهم ورغباتهم الخاصة بشن حرب صغيرة وجميلة قد جلبت الكوارث إلى البلاد.والمشكلة الكبرى هي أن هؤلاء الأشخاص ما زالوا مصرين على أوهامهم الخرافية في هذا الإطار كقيام ديك تشيني مثلاً بالإدلاء بتصريح يقول فيه (إن التمرد يلفظ أنفاسه الأخيرة) ويرجع في جزء آخر إلى أن الإدارة ومؤيديها يقومون بإرهاب المعتدلين والليبراليين,واتهام كل من يدعو إلى أي حل يقل عن تحقيق النصر الكامل بأنه غير وطني.‏

وسيلة المواجهة‏

نحن بحاجة إلى تجريد هؤلاء الناس من قدرتهم على التضليل وعلى الترويع,والوسيلة الأفضل للقيام بذلك هي أن نعلن بصراحة وجلاء أن الأشخاص الذين قادونا لشن حرب ضد العراق بناء على ادعاءات مزيفة,لا يتمتعون بأية مصداقية وبالتالي فليس من حقهم إعطاء الآخرين دروساً عن الوطنية.‏

وفي استطلاع للرأي أجراه معهد -غالوب- GALLOBE في نيسان الماضي أي قبل الإعلان عن مذكرة -داوننغ ستريت- أعلن 50 بالمائة ممن شاركوا في ذلك الاستطلاع -اتفاقهم مع الفرضية القائلة إن الإدارة (ضللت الشعب الأميركي قصداً) بخصوص أسلحة الدمار الشامل.وفي استطلاع آخر أجرته مؤسسة -راسموسن- RASMOSEN قال 49 بالمائة إنهم يرون أن مسؤولية بوش عن شن تلك الحرب تفوق مسؤولية صدام حسين الرئيس العراقي السابق عن معاملته لشعبه.‏

وعلى ما يبدو,فإن الشيء المطمئن من نتائج تلك الاستطلاعات هو أن الشعب الأميركي على استعداد للاستماع لتلك الرسالة,بل إنه متلهف لسماعها بدرجة تفوق أجهزة الإعلام على توصيلها.لكن المشكلة هي أن المؤسسات الإعلامية الكبرى في الولايات المتحدة ما زالت تتصرف وكأن هناك جناحاً صغيراً قليل الشأن والأهمية من اليسار الأميركي,هو الذي يعتقد أن هناك من ضلل الأمة الأميركية لشن الحرب وليس الشعب الأميركي بكامله.‏

وقبل أن تتمكن وسائل الإعلام الأميركية من التماشي والاستماع لرأيه ولنبضه,فإننا لن نكون قادرين على الحديث بشكل فعلي وجدي حول كيفية الخروج من العراق,المأزق والورطة.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية