|
إسرائيل في آسيا الإسلامية: من يوقف الزحف الصهيوني ! دراسات فهم يتخيلون مثلاً أن مجرد كونهم ( مسلمين ) فإن ذلك سيضمن لهم بقاء المسلمين على ولاء واحترام لهم ولحقوقهم في فلسطين أو العراق أو لبنان أو غيرها, من دون أن يحافظوا هم أنفسهم على هذه الحقوق, وكذلك تخيلهم أنهم لمجرد كونهم من أبناء العالم الثالث وممن كانت تربطهم علاقات صداقة مع الصين والاتحاد السوفييتي السابق أن ذلك سيضمن لهم دعماً دائماً من قبل الصين وما تبقى من الاتحاد السوفييتي السابق, حتى لو لم ينحازوا هم - أي العرب- الى قضايا أمتهم بالدرجة والمضمون الكافيين, إن حكام العرب, يتخيلون ذلك ويبنون على ما يتخيلونه سياسات, دائماً تأتي نتائجها فاشلة خاصة إذا كان عددهم لا يتخيل بل يعمل وينشط وينسج وقائع مادية على الأرض كل يوم. هذه الحالة نرصدها واضحة في الدور الإسرائيلي في بلاد آسيا الإسلامية وخاصة تلك الجمهوريات التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي, بالإضافة الى تركيا التي كانت يوماً ما قلب الخلافة الإسلامية وقادتها الرائدة: ترى ما أبعاد هذا الدور الإسرائيلي ..وما مخاطره وأين العرب من كل التطورات الحاصلة فيه? يحدثنا التاريخ أنه في الفترة ما بعد انتهاء الحرب الباردة شهد العالم انفراد الولايات المتحدة الأميركية بالقوة العسكرية والاقتصادية ومحاولة إعادة رسم خريطته حتى يتماشى مع النزعة الامبراطورية الأميركية التي ترى أن القوة وحدها هي الوسيلة لإقناع الآخرين بالخضوع للمصالح الأميركية, التي هي حسب زعم اليمين المحافظ في الإدارة الأميركية مصالح العالم كله, وفي هذا الإطار تم تدعيم التحالف الاستراتيجي بين اليمين المحافظ الحاكم في إدارة بوش الابن, والذي كان مؤثراً أيضاً في عهد كلينتون وبوش الأب وريغان, وبين إسرائيل, ومن هنا وجدنا إسرائيل تقيم علاقات دبلوماسية لأول مرة مع الصين والهند بعد قطيعة كاملة منذ إقامة الكيان الصهيوني في أرض فلسطين المحتلة,ووصل الاختراق الصهيوني حتى للدول الإسلامية في آسيا مثل أندونيسيا, حيث افتتحت مكتباً هناك للتمثيل التجاري الإسرائيلي, فضلاً عن إقامة علاقات تزداد وثوقاً مع دول جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية. والدور الإسرائيلي في آسيا لم يكتف بالسيطرة أو التواجد أو إقامة تحالفات أمنية واقتصادية وتكنولوجية , بل إن إسرائيل تمكنت الى حد ما من تشويه صورة العرب في هذه الدول, تحت مزاعم أن العرب يدعمون التنظيمات الأصولية والحركات الإسلامية التي تهدد أنظمة الحكم التابعة لواشنطن, ثم إن إسرائيل قامت بتطوير العلاقات في مجالات التصنيع المشترك والتعاون العلمي والتكنولوجي, عسكرياً ومدنياً, مع الدول الإسلامية في آسيا. على مستوى آخر ومن وجهة نظر خبير استراتيجي مثل اللواء طلعت مسلم فإن إسرائىل تسعى الى تحقيق مكاسب اقتصادية من خلال علاقاتها مع الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى متمثلة في الاستفادة من الإمكانيات الزراعية والبترولية والمعدنية- خاصة اليورانيوم- بالإضافة الى الخبرات النووية لهذه الدول, كما رأت إسرائيل في هذه المنطقة سوقاً واسعة لتسويق منتجاتها, وفي المقابل ترى هذه الدول أن التقارب مع اسرائيل يعني فتح أبواب أميركا لمساعدتهم مالياً وتحسين صورة أنظمتهم الديكتاتورية من خلال اللوبي اليهودي النشط. أبعاد التغلغل والتغلغل الإسرائيلي في الجمهوريات الإسلامية بآسيا الوسطى سيتأثر بنمط العلاقات بين إسرائيل ودول الجوار خاصة روسيا والصين والهند وايران, وقدرة الكيان الصهيوني على فصل ملف التعاون مع دول وسط آسيا عن الملفات الصراعية الأخرى... وقد أقامت إسرائيل علاقات دبلوماسية مع الصين والهند بعد قطيعة كاملة منذ إقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين المحتلة, ووصل الأمر الى تعاون استراتيجي وعسكري مع الدولتين وتمكنت إسرائيل من خلق مصالح قائمة على زرع المخاوف لدى الصينيين و الهنود من تصاعد ما يسمى الإرهاب الإسلامي, ومن وجهة نظر الخبراء الاستراتيجيين فإن الدور الايراني النشط في هذه الجمهوريات سيظل حجر عثرة أمام السيطرة الأميركية الصهيونية لهذه المنطقة, فمنذ انتهاء الحرب الباردة, اندفعت السياسة الايرانية لملء الفراغ الناجم عن انهيار الاتحاد السوفييتي, حيث سارعت بالاعتراف باستقلال هذه الدول وإقامة العلاقات الدبلوماسية معها, آخذة في الاعتبار العامل الاقتصادي كون هذه الجمهوريات أسواقاً واسعة للمنتجات الايرانية, إضافة الى العامل العسكري حيث استفادت ايران عسكرياً من هذه الجمهوريات عن طريق الحصول على الأسلحة واستقدام الخبراء والعلماء العسكريين من هذه الدول خاصة كازاخستان مقابل تزويدها بالبترول والعملة الصعبة. على صعيد آخر وهو صعيد العلاقات التركية/ الإسرائيلية فإنه منذ أن اعترفت تركيا بإسرائيل في تشرين أول 1949 والعلاقات تزداد تعمقاً بين البلدين, تدعمها وتساندها الجالية اليهودية في تركيا . وقد وصل التعاون بين الطرفين الى قمته في 18آذار 1996عندما تم إبرام اتفاق أمني بين البلدين أخطر بنوده ,فهي تتمثل في إقامة منتدى أمني للحوار الاستراتيجي بينهما, يتم من خلاله تبادل المعلومات الأمنية و المخابراتية بين البلدين كما تقوم إسرائىل بتحديث الطائرات الحربية التركية من طراز فانتوم (ف-4) و(ف-5) بمبلغ 800 مليون دولار تسددها تركيا على دفعتين.. الطريف- من وجهة الخبير العسكري المعروف اللواء حسام سويلم- أن العمل الإسرائيلي في تحديث ال¯ 48 طائرة استغرق عامين وفور عودة وتشغيل هذه الطائرات إلى أنقرة اكتشف الجيش التركي أن الطائرات فيها عيوب قاتلة وأن أكثر من طائرة قد تعرضت للسقوط والتفجير في الجو بسبب بعض العيوب التي أدخلتها تل أبيب على مركز القيادة والتحكم, وبإجراء التحقيقات اكتشف الأتراك أن الإسرائيليين قد استبدلوا جميع قطع أجهزة الرادار والقطع الأصلية في الطائرة التركية بقطع وأجهزة مستهلكة!! إن الدول الإسلامية الأربع (ايران ,كازاخستان, تركمنستان, أذربيجان) التي تطل على بحر قزوين شمال غرب آسيا تحظى بأهمية جيواستراتيجية واقتصادية, نظراً لما تتمتع به من ثروات نفطية لفتت أنظار القوى العالمية والإقليمية, خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي في العقد الأخير من القرن الماضي وأصبح بحر قزوين بحيرة تتقاسمها الدول الأربع بالإضافة الى روسيا ونظراً لاختلاف الدول فيما بينها حول الأساس القانوني لتقسيم ثرواته, أتاح هذا المجال لتغلغل النفوذ الأميركي الى المنطقة, الأمر الذي أدى الى مزيد من التنافس والصراع وعدم الاستقرار كنتيجة طبيعية لاختلاف مصالح الأطراف المتنافسة سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. وقد لعبت إسرائيل على حالة عدم الثقة التي توليها دول بحر قزوين الى ايران نتيجة لمساندتها الحركات الأصولية في الجمهوريات الإسلامية, وبدأت في التغلغل في تلك الدول لتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية مع تلك الدول من جهة, وتغذي الخلافات بين هذه الجمهوريات وايران بصورة تضمن بقاء مصالحها في آسيا الوسطى وبحر قزوين النفطية التي تتراوح ما بين 15و 40 مليار برميل وهو ما يمثل 1,5% الى 4% من الاحتياطات العالمية النفطية, بالإضافة الى احتياطات الغاز الطبيعي التي تتراوح ما بين 6,7 و 902 تريليون متر مكعب وهو ما يمثل 6% الى 7% من الاحتياطات العالمية لإنتاج الغزل, بينما التفسيرات الأميركية لاحتياطات النفط تصل الى 200 مليار برميل, ولعل ذلك يفسر الاهتمام الأميركي المتزايد بالمنطقة قبل وبعد أحداث 11 أيلول .2001 جذور الاهتمام الاسرائيلي اهتمام إسرائيل بجمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية يعود الى ما قبل انفصال هذه الجمهوريات عن الاتحاد السوفييتي السابق بعشر سنوات نظراً لما تختزنه من ثروات نفطية ومعدنية ضخمة تشكل ثاني أكبر احتياطي مخزون في العالم بعد منطقة الخليج, هذا الى جانب ما ورثته هذه الجمهوريات من الاتحاد السوفييتي السابق من قدرات دفاعية هامة , خصوصاً في المجالات النووية والصاروخية والفضائية, وتنافس بعض الدول العربية الإسلامية على الفوز بها (تركيا وباكستان وايران) وهو بالطبع ما يشكل ضغطاً على إسرائيل, لذلك لم يكن غريباً أن تسعى إسرائيل لشراء 50% من أسهم محطة تتبع الأقمار الصناعية المقاومة في كازاخستان عندما عرضت للبيع. كما يرجع التحرك الإسرائيلي السريع تجاه كازاخستان الى وجود قاعدة قوية من الخبرة التكنولوجية في المجالات التقنية الصاروخية, وشؤون الفضاء في دول الكومنولث .. واحتفاظ الدولة الوليدة بالصواريخ النووية التي شملها برنامج التخفيض.. فضلاً عن وجود الوقود النووي وكثير من النفايات النووية القابلة للمعالجة التي يمكن إعادة استثمارها فيها. وقد اتخذت إسرائيل طرقاً عديدة للحصول على المواد النووية الموجودة في كازاخستان بدأتها بالاتفاقيات المتنوعة في شتى المجالات كان أبرزها الاتفاقية التي وقعت في شباط 1992 في المجال الزراعي ونصت على تقديم إسرائيل مئتي خبير للمساعدة في ري 200 ألف دونم بطريقة التنقيط بمعدات إسرائيلية وقد بلغ إجمالي العقد 160 مليون دولار. وهناك تعاون وثيق بين كازاخستان واسرائيل في مجال الاتصالات عبر الأقمار الصناعية. ففي عام 1998 أعلن معهد تكينون في حيفا أن قمراً صناعياً إسرائيلياً للاتصالات أطلق من كازاخستان بواسطة صاروخ (زينت) الروسي .. وكانت إسرائىل قد اشترت مصنعاً لاستخراج اليورانيوم وقد وافق الرئيس الكازاخي سلطان نزار باييف على بيع المصنع خلال محادثات مع ليفي مدير الشركة الإسرائيلية التي أبرمت الصفقة.. وقد اشترت شركة (أميركا إسرائيل انفستيمنت) الإسرائيلية للاستثمار 67% من أسهم المجمع الصناعي والكيميائي لمعالجة اليورانيوم الخام في ساليوجورسك شمال كازاخستان, وكان الرئيس الكازاخي قد زار إسرائيل في أواخر عام .1995 وإذا علمنا بوجود أكثر من 120 ألف يهودي في أوزبكستان, هاجر منهم الى تل أبيب حوالى 70 ألف يهودي, وبين إسرائيل وأوزبكستان علاقات دبلوماسية حيث يوجد سفير لإسرائيل لدى طشقند, وقد زار -كما سبق وأشرنا- بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أوزبكستان لإقناع طشقند وبقية الجمهوريات الإسلامية بوقف نقل التكنولوجيا الى ايران وقد زار الرئيس الأوزبكي إسرائيل في أيلول 1998 وأعلن خلال الزيارة أن حجم التبادل التجاري بينهما بلغ 20 مليون دولار, وهناك تعاون في مواجهة الحركات الإسلامية وقد توطدت العلاقات الأمنية بعد أحداث 11 أيلول 2001 في واشنطن ونيويورك, حيث قام ضباط إسرائيليون بحماية النظام الأوزبكي من التيارات الأصولية, وقد خصص الرئيس كريموف مطار خان آباد الذي يبعد عن العاصمة طشقند كمركز للعمليات الأميركية في أفغانستان !! ومع بلد آخر مثل أندونيسيا فإن التاريخ يحدثنا بأن العلاقات بين أندونيسيا وإسرائيل بدأت بصورة رسمية بعد اتفاقية أوسلو, حيث زار رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق جاكرتا بهدف تنمية العلاقات التجارية بين البلدين... وكان الرئيس الأندونيسي الأسبق يوسف حبيب قد أعلن عقب توليه السلطة عن رغبته في إقامة علاقات دبلوماسية وتجارية مع إسرائيل وهذا الموقف لم يكن بغريب أن يصدر من بحرالدين يوسف حبيبي الذي زار اسرائيل في الستينيات مع وفد من المهندسين الألمان, وعندما كان يعمل كمدير عام لصناعات الطيران في أندونيسيا أعطى الضوء الأخضر للجيش الأندونيسي كي يشتري من إسرائيل طائرات مقاتلة أميركية من طراز سكاي هوك. الغريب أن إسرائيل تساعد متمردي آتشيه للانفصال عن أندونيسيا, كما ساعدت تيمور الشرقية من قبل حتى نالت ما يسمى ب¯(استقلالها), حيث عثر على أسلحة إسرائيلية الصنع في تيمور الشرقية وآتشيه. إن إسرائيل من خلال أعمالها القذرة في أندونيسيا تستهدف إضعاف أكبر دولة إسلامية في جنوب شرق آسيا رغم هرولة الأنظمة المتعاقبة في جاكرتا على التطبيع مع الكيان الصهيوني, وفي هذا مفارقة صارخة تستحق التوقف!! خلاصة القول :إنه وبعودة الى التاريخ الإسرائيلي منذ بناء هذه الدولة الإجرامية فإن بن غوريون أطلق نظرية (الطوق الخارجي) منذ قيام الكيان الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية والتي تمثلت بالسعي الى ربط إسرائيل بعلاقات وثيقة ودائمة بالدول المحيطة بالعالم العربي (تركيا, أثيوبيا, ايران) وأوضح بن غوريون أن نظريته تستهدف في الدرجة الأولى مساعدة اسرائيل على التنفس بملء الرئتين عبر هذه الدول على الصعيدين الإقليمي والدولي,وفي المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية.. وقد تطورت نظرية بن غوريون وتشعبت حيث شملت دول آسيا الوسطى الإسلامية, وقد استخدمت نفوذ الولايات المتحدة كمدخل للولوج للدول الإسلامية عبر الزيارات السرية والعلنية التي قام بها مسؤولون إسرائيليون لتكوين حلف استراتيجي مع بعض الدول مثل كازاخستان.. ونفس الأمر مع الدول الإسلامية الآسيوية الكبرى مثل أندونيسيا وتركيا والسؤال الآن ليس لماذا تقوم إسرائيل بهذا الدور فهذا على الأقل هو مصلحتها التي تريد تحققها ولكن السؤال أين نحن من هذا الدور? أين دورنا نحن تجاه هذه البلاد, وما هي استراتيجيتنا المستقبلية نحوها, ولماذا نتركها لقمة سائغة للعدو يأكلها ويمضغها ويحولها الى أداة نفوذ ضد مصالحنا? تلك هي الأسئلة التي تحتاج الى إجابات قاطعة. * كاتب ومفكر سياسي مصري
|