كذلك تكريم ثلاث قامات إبداعية تتابع عطاءها الإبداعي، وفي هذا الإطار تم تكريم ذكرى: إقبال قارصلي، وعبد القادر أرناؤوط، وغسان السباعي. كما تم تكريم الفنانين عبد الله السيد وغسان جديد وغسان نعنع. وتنتمي إقبال قارصلي (1925ـ 1969) إلى جيل الفنانات الرائدات، وقد كانت أول فنانة سورية تقيم معرضاً فردياً، وكان ذلك في صالة الفن الحديث عام 1964، ولدت في دمشق وعاشت طفولتها في العاصمة وضواحيها، وتزوجت وهي في الخامسة عشرة من عمرها، وما بين مطلع الأربعينات ونهاية الخمسينات أقامت في تدمر برفقة زوجها الموظف هناك، وفي هذه المرحلة بدأت تجربتها الفنية بالاتساع فقامت بإنجاز عدد كبير من اللوحات التي تصور الأشخاص، ومشاهد الطبيعة والطبيعة الصامتة بأسلوب واقعي يميل إلى الانطباعية، وإلى التبسيط. وقد عملت على تعميق معارفها الفنية النظرية والتقنية عن طريق القراءة والاطلاع على تجارب كبار الفنانين في العالم، ومتابعة المعارض المحلية، وقد توجت هذا بالانتساب عن طريق المراسلة لمعهد الجواهري في مصر، لتدرس الفن بين عامي 1956و1958. وبعد عامين من معرضها الفردي الأول عام 1964، أقامت معرضها الثاني في المركز الثقافي العربي بدمشق، وفي عام 1968 أقامت معرضها الفردي الثالث على بحر البلطيق في ألمانيا الديمقراطية، أما معرضها الرابع فقد أقامته عام 1969 في مدينة الثورة قبل رحيلها بوقت قصير.
أما عبد القادر أرناؤوط (1936- 1992) فيُعّد رائد فن الإعلان الحديث في سورية إذ أدى دوراً أساسياً في تطور مفاهيمه. ولد في دمشق وعاش طفولته في حي شعبي بسيط، كان مولعاً بالمطالعة والموسيقا والمسرح، وقد بدأ شاعراً ينظم قصائد رقيقة، كما نظم شعراً ساخراً، وكتب القصة القصيرة، والرواية. ما بين 1954 و1956 التقى بعدد من الفنانين المهمين ومنهم: مروان قصاب باشي، أدهم إسماعيل، نعيم إسماعيل، وبدأ يكتشف من تجاربهم والحوار معهم أهمية الحداثة الفنية. لم تكن إمكاناته المادية تتيح له متابعة دراسته الأكاديمية، فعمل بوزارة الثقافة مصمماً ومشرفاً على تصميم لوحات إعلانية أبرزت موهبته الغرافيكية. واستخرج من الخط العربي، والزخرفة الحرفية المحلية، جماليات جديدة، فكانت لوحاته مزيجاً من الابتكار والحداثة والشاعرية وروح التراث في الاتصالات البصرية. ولا يمكن الحديث عن تطور فن الإعلان في سورية دون الحديث عن الدور الحيوي لعبد القادر أرناؤوط فيه، فقد ابتكر تصاميم فريدة لمعرض دمشق الدولي ولفرقة موسيقا الحجرة ولعروض مسرحية، كما ابتكر تصميماً حديثاً للخط العربي، وأنجز عدة أغلفة ورموز بصرية من بينها لوغو اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين.
بدأ غسان السباعي (1939- 2015) حياته الفنية في الخمسينيات بتشجيع من الأستاذين صبحي شعيب وعبد الظاهر مراد، ومنهما تعرف إلى مدارس الفن الحديث، وكان معرضه الأول عام 1954 مع مجموعة من الفنانين. بعد حصوله على الشهادة الثانوية التحق بكلية الفنون الجميلة في جامعة الإسكندرية، وتخرج منها عام 1964 حاملاً خصائص (مدرسة الإسكندرية الفنية) في التبسيط اللوني وضربات الفرشاة العريضة، وتعرّف خلال دراسته في مصر على تجارب: سيف وانلي، وحامد ندا، ومحمد سعيد، وبشكل خاص بأعمال حامد عويس، أستاذه المباشر. وقد أثّروا في تجربته تأثيراً جوهرياً في توجهه العام المحتضن لاهتمامات الإنسان، بلغة تشكيلية بعيدة عن السرد الأدبي. وفي وقت لاحق درس الغرافيك في المدرسة الوطنية العليا للفنون بباريس وتخرج منها عام 1974. وأدى هذا إلى تعزيز اللغة التشكيلية في عمله الفني. شارك في الكثير من المعارض الفردية والجماعية داخل سورية وخارجها. إلى جانب حضوره الدائم في الوسط الثقافي والتشكيلي كمحاضر وناقد وباحث ومدرس في كلية الفنون الجميلة حتى لحظاته الأخيرة. وقد استطاع أن يخط لنفسه أسلوبية خاصة مزج فيها بين التعبيرية والتجريد مقدماً لوحة خاصة به تدل على حرفيته العالية، وقدرته على تطويع المتضادات اللونية لخلق حالة انسجام صعبة بينها توحي بالهدوء والسلام، فامتزجت تكويناته الغرائبية بحالة إنسانية مفعمة بالحب والهدوء والتجلي.
سعد القاسم