نعم، هذا ما يحصل عندما تُضاءُ فضائياتنا بنورِ إبداعٍ سوري أصيل.. الإبداع الذي لا يمكن أن يُنسى مهما سعى من فُرِّغوا من العقل والنُبل، لجعله نسياً منسيا، أو لطمسِ ما تركه من أثرٍ حضاريٍ جميل..
هذا ما يحصل، وهذا ما حصل في العديد من برامجنا التي يأبى كل المساهمين في جعلها تتفرّد بمواضيعها، إلا تضمينها ما يجددها ويميِّزها ببريق الحكايا القادرة على الارتقاء بمتابعيها..
إنه بريق حكايا لا تتوقف عن سردِ ما يرتقي بذائقتنا الثقافية والجمالية، وسواء بحوارٍ أو فعاليةٍ أو حتى فيلم كذاك الذي تابعناه على «الفضائية السورية».
الفيلم وثائقي، وعن التشكيلي-الدكتور «علي السرميني».. الفنان الذي كان أول ما لفتنا لمتابعة حكايته، ما سمعناه في بداية الفيلم من وصف مكانته: «ابن حضارةٍ عُرفت بالإبداع والإنسانية على مرِّ العصور، وبنيت بريشة مبدعيها، ممن فتحوا بوابات الزمن على مساكب النورِ..»..
لفتنا في حكايته أيضاً، وبعد الحديث عن مولده وطفولته وطموحه وكفاحه وصولاً إلى براعته، اللوحات الطبيعية التي كانت تُعرض وتواكب الأمكنة والمدن التي عاش فيها أو انتقل إليها.. المفردات التي سمعناها تصف «بداية خطى الفنان نحو الحياة وعالم الجمال والألوان».. «حارات حلبه وعنفوان أمكنتها، وأخلاق أسرته المتواضعة والبسيطة والدؤوبة في علمها كما في امكانتها.
أيضاً، ماقاله أصدقاء المكان والأحلام والطموح والألوان.. الأساتذة الرواد وغيرهم ممن أضافوا رأيهم.. آراء زملاء فنه وأصدقاء عمره، ممن أدمعت أعين الحب لديهم، عندما أدلوا بما يشير إلى أخلاقهِ وقيمهِ التي كانت قد تعاظمت لديه، فأثّرت فيهم.
أما أكثر ما لفتنا وزادَ من فخرنا به، فالحوارات القديمة التي بيّنت أكثر أسباب شهرته وعالميته. الحوارات التي منها، تلك التي سُئل فيها عن لوحته «القنيطرة على أشلائهم» فقال عنها: «في حرب تشرين التحريرية، فكرتُ أن أرسم على وسيلة الجريمة، بل على حطامها.. على حطامِ طائرة «الفانتوم» الإسرائيلية التي شاهدتها على الأرض شظايا، فرسمتُ عليها «القنيطرة الشهيدة».. رسمتها على أشلاء العدو الصهيوني، راصداً ما شعرتُ به يومها من فخرٍ وانتصارٍ»..
هذا ماتابعناه في الفيلم الوثائقي، الذي حتماً لم يكن عبثاً، وبعد ما ذكرناه عن لوحته هذه، أن يكون قد تمّ التنويه فيه، إلى أن تاريخ ولادته كان ما بين التشرينين.. هذا ما تابعناه واستشعرناه يعطّر المدى ويلوّنه بأناملٍ عظيمةٍ لمبدعين سوريين.
مبدعون، كـ «السرميني».. ابن حلب، وعاشق دمشق. حلب التي وهبته مُذ ولادته دلالها وجمالها، ودمشق التي عانق شموخ قاسيونها، فوصى بأن تكون رقدته الأخيرة في عمقِ وجدانها..
حتماً، علينا أن نفخر بهكذا مبدعين.. علينا أن نمتنَّ لكلِّ من يذكر بهم آملين، بأن تبقى ذاكرة فضائياتنا، مثلما ذاكرة المهتمين والمعنيين بإبداعاتنا. أن تبقى، حية ووفيّة ودؤوبة على استدعاء ما نحتاجه من إضاءات، وحدها السبيل لرقيِّنا وارتقائنا وفخرنا بآراءٍ منها رأي فناننا:
«أنا لا أرسم لنفسي، ولكن أرسم للمعجبين بقصائدِ ألواني»..