1-إن إيران تعبث بالبيت العراقي, وتكدس أوراقها فيه, مستفيدة من موزاييكه الأثني عرقيا ومذهبيا, لبناء شبكة مصالح تمكنها في المستقبل من وضع اليد على مقدرات العراق, وقراره في سياق السعي الحثيث لبعث الروح في الإمبراطورية الفارسية الغابرة!
2-إن إيران مدت أذرعها نحو السواحل الشرقية للبحر الأبيض المتوسط, وأقامت تحالفات مع اثنتين من أكبر قوى المقاومة المعنية بالصراع العربي-الصهيوني, هما المقاومة الإسلامية في لبنان,والمقاومة الإسلامية في فلسطين وتحديدا في غزة الأمر الذي مكنها في الأعوام المتأخرة من فرض نفوذها على خارطة, كان العرب اللاعب الأوحد عليها سلما أو حربا, وصاحب الشأن بتقرير مصيرها في مختلف الظروف.
الرسالتان متكاملتان في المضمون, وصائبتان في التوصيف, لكنهما تنفخان في غبار كثيف حول الوجه الآخر للصورة, ودور هؤلاء العرب في هذه الجغرافيا التي تتآكل فيها حدود الأوطان, ويتبخر القرار المستقل, وتسقط مصالح العرب من أيدي العرب كقطع الجليد البارد!
لم تخف إيران منذ اليوم الأول لقيام نظامها الإسلامي توجهها الأيديولوجي القائم على ركيزتين أساسيتين, تتمثلان بالعداء المطلق للصهيونية, والتعارض شبه المطلق مع توجهات السياسة الأمريكية في العالم الإسلامي, والمنطقة العربية على وجه الخصوص, وهي من أجل ذلك اتجهت لترمي بثقلها في حومة الصراع العربي-الإسرائيلي وفق رؤية تقول, إن انتزاع الحق الفلسطيني والعربي من أيدي التحالف الأمريكي- الصهيوني لن يكون إلا بالمقاومة المسلحة,وأن امتحانات التسوية أو السلام التي غرق بعض العرب في دوامتها, ما هي إلا متاهة تعطي لهذا التحالف المزيد من الوقت لتوسيع نفوذه, وفرض شروطه, وتسحب من أيدي العرب و المسلمين أوراقهم القوية في مسلسل الصراع, وتطردهم خارج الدائرة الفاعلة التي يتحصنون بها لاسترجاع الحق المسلوب, وعلى هذه القاعدة انتقل العامل الإيراني بسرعة إلى خطوط المقاومة التي كانت تنهض بشجاعة وإيمان على السواحل الشرقية للبحر الأبيض المتوسط, في لبنان وفلسطين.
هذا الانتقال وضع إيران في مواجهة الخيار العربي الذي أصبح يتطلع إلى الصراع بمنظار آخر, معاكس لمنظار القوة الإيرانية ولا يرى في الأفق ممكناً غير البحث عن التسويات!
وحين تحقق الغزو الأمريكي للعراق, بتسهيلات عربية, وشبه حياد إيراني,وجدت طهران نفسها بين ليلة وضحاها مجاورة لأكثر من مئة وخمسين ألف جندي أمريكي يحكمون قبضتهم العسكرية على أرض الرافدين ويهددون سلامة المنطقة برمتها وإيران تحديداً باعتبارها ركيزة محور الشر في المعيار الأمريكي,وباعتبارها الخصم الذي تتقاذف معه واشنطن الرسائل الساخنة منذ ثلاثة عقود!
ومرة أخرى وجدت طهران نفسها مدعوة للانتقال بوسائلها المتاحة إلى عمق عربي جديد, يمر بالتناقضات في ظل احتلال أهوج, أذاق العراقيين على مدى خمسة أعوام أقسى ما يمكن أن يتحمله شعب, من صنوف الموت والدمار.
ومرة أخرى أيضا وجدت إيران نفسها, في مواجهة خيار عربي, يتطلع إلى واقع العراق بمنظار آخر, لا يستمد ضوءه إلا من إشعاعات المصالح الأمريكية التي تتقاطع في نقطة ما, مع مصالح بعض العرب.
السؤال المر يقول: هل صار الدعم الذي تلقاه حركات المقاومة العربية في لبنان وفلسطين, دعما للاحتلال أم انقضاضا على مشروعه, ونسفا لقواعد استقراره, وهل صارت العناية الإيرانية, بالوضع العراقي, كيفما كانت وسائلها, ترسيخا للاحتلال الأمريكي في العراق,أم تقويضا, لأسسه ومرتكزاته.
العرب مدعوون للإجابة عن السؤال, بعد النظر إلى المنطقة بمنظار يحيط بالمصالح الحقيقية للمنطقة والعرب عموما, وإذا كان هذا التغلغل الإيراني, خطرا وتخريبا إلى هذا الحد, فأي اسم سنطلقه على الاجتياح الأمريكي الذي وصل اليوم إلى ذروته, وأين الدروع التي احتمى بها العرب لصد هذا الاجتياح, والحد من كوارثه!
سؤال لا ينتظر إجابات شافية, ما دام العرب قد قرروا مغادرة التاريخ, وفتح الأبواب أمام المشروع الأمريكي-الصهيوني على مصارعها! حتى يحبل الزمن بالمعجزة ..ولا معجزات.