وكان العدو قد أقام فوق التل موقعاً دفاعياً على سفوحه الشديدة الانحدار وبنى فيه مرصداً حصيناً له أهميته الكبيرة بالنسبة «لإسرائيل». يتألف المبنى من ثلاثة طوابق وهو أشبه بقلعة من الصخور السوداء أقامه العدو عقب عدوان حزيران عام1967.
وفي داخل المرصد ثلاثة محركات ديزل لتوليد الطاقة الكهربائية، وثلاث نظارات مزدوجة لرصد بعيد المدى، كما توجد ثلاث فتحات خاصة بالرصد، تسد في أثناء الأعمال القتالية بقطع حديدية سميكة، وفي منتصف كل قطعة فتحة خاصة للرصد في حالات القتال.
ويبلغ طول التل 200 ـ 250م. وعرضه 100 ـ 150م. وجدران المرصد سميكة لا تؤثر فيها رمايات الطيران والمدفعية ـ وفوقها مجموعة من الطبقات، والطبقة عبارة عن كتلة من الأحجار السوداء.
ويستطيع العدو أن يرصد أي تحركات على مسافات بعيدة، وهو مزود بالأجهزة اللاسلكية للاتصال بالقيادة وإبلاغها بسرعة عن أي تحرك مضاد كما يحوي المرصد أجهزة قيادة وتوجيه الطائرات وكذلك أجهزة تشويش الكتروني.
انطلقت الطائرات العمودية في اتجاه تل الفرس، أبواب الحوامات مفتوحة، المقاتلون ينتظرون لحظة الصدام مع العدو، قائد مجموعات الإنزال، النقيب مصطفى محمد أبو دبوسة، يقول لهم: «اليوم يومنا يا رجال.. ونحن رجال جيش التحرير.. أريد منكم عملاً بطولياً لنثبت وجودنا.. تحيا فلسطين.. تحيا سورية.. تحيا الأمة العربية».
وظل القائد طيلة فترة الطيران يلهب فيهم الحماسة والثأر لإخوانهم الأبطال، الذين استشهدوا في معارك الكفاح المسلح والتحرير.
كان المقاتلون يتطلعون من أبواب الطائرات العمودية، ومن الطاقات إلى التراب العربي في الجولان الذي احتوى دماء الأجداد من قبل ودماء رفاق السلاح في المعارك التي دارت بكبرياء ورجولة في هذه الحرب التحريرية.
اقتربت الطائرات العمودية من تل الفرس، وأصبحت فوق التل، ففتح العدو نيرانه عليها، وردَّ المقاتلون على النيران بالمثل، ووجّه قائد الطائرة العمودية الأمامية رشقة من الصواريخ إلى مصادر النيران المعادية، لقد كان العدو يوجه نيرانه إلى غرفة قيادة الحوامة وبابها، وعندما تابع العدو الرمي، رد قائد الحوامة برشقة أُخرى من الصواريخ، وفي هذه الأثناء جرح النقيب مصطفى في ساقه اليسرى، ولم يعلم بذلك سوى المساعد توفيق يعقوبي، الذي كان يجلس إلى جانبه، وما إن طلب قائد الطائرة الاستعداد للهبوط حتى قفز على الفور المجند محمد الدربي، الذي كان عند باب الطائرة، وتبعه قائد المجموعة، ثم بقية المقاتلين.
تمت عملية الإنزال على الجانب الشمالي الشرقي لتل الفرس، ودخل المقاتلون في معركة دموية مع مقاومات العدو، وبعد أن طوقت المجموعات التل، هجم المحاربون هجمة رجل واحد.
وفي هذه اللحظة فقط انطلقت مع النيران صيحة «الله أكبـر» الغاضبة، وهم يطلقون النار من رشاشاتهم ويقذفون القنابل اليدوية على الغاصبين وما هي إلا ساعة من القتال، حتى تم احتلال تل الفرس.. وأعطى قائد المجموعات أمراً بتنظيم الدفاع الدائري حول التل.
كانت الضربات التي وجهتها قوة الإنزال من قوات حطين أقوى رمايات الطيران والمدفعية ولم يكن العدو يتوقع إنزالاً بالطائرات العمودية وقد أحدث الإنزال المفاجئ إرباكاً أشاع الموت والذعر في صفوف العدو.
ومضى الليل وأطل صباح يوم جديد.
وفي الساعة 6,00 من يوم 8 تشرين الأول تقدمت سرية مشاة من الجيش العربي السوري باتجاه تل الفرس.
وعند الساعة 7,00 وصلت عربة استطلاع، وأقامت مرصداً على التل لتأمين الاتصال بالقوات الصديقة.
وهكذا قاتل رجال حطين، الذين يجيش في قلوبهم الحقد الدفين على العدو، والرغبة الصادقة في الالتحام به وجهاً لوجه، قاتلوا بعنف مظهرين عدم اكتراثهم بالموت وحتى إن النقيب مصطفى قائد قوات الإنزال، الذي جرح في بداية العملية، لم يلق السلاح بل ظل يواصل القتال حتى تم اقتحام التل واحتلاله.
وتقديراً من القيادة فقد منح هذا الضابط الشجاع وسام الشرف العسكري من درجة (فارس).