تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


سورية..تحررنا من القلق حتى في الزمن الصعب

الأحد 6-10-2013
سلوى خليل الأمين

تحررني دمشق من خوفي وقلقي، حين أشهد ألق شمسها وقمرها يتهادى مرتاحاً في أحضان بنيها، فتراني أنقاد تلقائيا لهيام عتيق استوطن القلب والعقل وبات عصياً على الغياب ،

لهذا أفرح لنسائم دمشق تهب عليّ تلفح الروح بصورها الضاجة بالحياة والحركة، والحب الممتلئ بشذا الحضارات وطقوسها المتآلفة مع مواكب الأمل، الذي لا تمحى صوره من أطر الصبر على الشدائد، والمثابرة على العمل، والتفاؤل بغد مشرق، سيطل قريبا، وقريبا جداً ، على ربوع سورية ودمشقها.. شامة الدنيا وعروسها البتول.‏

ذهبت إليها.. مدعوة لورشة عمل حول «الإعلام الوطني والتحديات الراهنة»،وهنا أسجل شكري العميق للأديبة الكبيرة السيدة كوليت خوري التي افتقدتني في اليوم الأول، وأبت غيابي، لعلمها بما أنا عليه من عشق لسورية تغلغل في مسام الجسد واستوطن القلب الذي لا يعرف الغدر وقلة الوفاء في الأيام الصعبة، ولأن تجربتي في الكتابة في الصحف السورية ما زالت سارية المفعول منذ زمن بعيد، لا يمكن أن يقاس بتجاهل غير مقصود.‏

الترحيب بي في القاعة حين دخولي مع السيدة كوليت خفف جزءاً من عتبي، وهنا أسجل الشكر العميق للسيدة كوليت المتحركة الدائمة من أجل احتضان أصدقاء سورية الخلص الأوفياء، لأنها تدرك بوطنيتها الثابتة والأصيلة، أنه لا يمكن أن يوضع في دائرة النسيان من هم على صمود وصبر وعزيمة لا تقهرها وسائل التهديد والترغيب، التي طالما كرجت على مطارحنا من أجل تسجيل مواقف تصب في خانة العداء للمقاومة وسورية العروبة بقيادتها الحكيمة، أسوة بمن فعلوا ذلك من بعض الجنوبيين اللبنانيين الذين غرهم رنين المال وأبهة المناصب.‏

كان حماسي للوصول إلى دمشق يسبقني على درب قطعتها وحدي ، وأنا أقود سيارتي حتى الحدود السورية حيث وجدت من أرسلتهم السيدة كوليت خوري بانتظاري، حرصا منها على بعض قلق قد ينتابني من خطورة ما ربما تتسرب إلى نفسي وأنا أدخل الأراضي السورية.‏

صحيح أنه فاتني الاستماع إلى المنتدين في الجلسات الأولى إلا أنني تابعت بشغف مسار الجلسات التالية وخصوصا أن مسألة تسليط الضوء على أهمية تطوير الإعلام في سورية أمر هام في هذه المرحلة بالذات التي تواجه فيها سورية كل هذه التحديات الصعبة والمتشابكة في مساراتها وفصولها وأبعادها وأشكالها، وقد سررت وأنا أجد الجميع وخصوصاً من الإعلاميين السوريين الشباب ، متحمسا للإدلاء بدلوه، فمنهم من دخل أرض الميدان العسكري دون تدريب متمكن ، ومع هذا أفلح بالإضاءة على المشهد الحقيقي لما يجري على الأرض من انتهاك لكل القيم القانونية والشرعية والمدنية والوطنية، واستطاعوا العمل بجدارة على إظهار الصورة المفبركة والمضللة التي ساقت الأكاذيب ضد بلدهم عبر خطط استباقية ممنهجة من أميركا والصهيونية العالمية وعملائها الأعاريب، الذين ظنوا أن الإعلام السوري ليس بحجم المرحلة لمحدودية قدراته البشرية والتكنولوجية، لكن المفاجأة التي لم يحسب لها حساب في مسار عملهم الشيطاني هو الحماس الوطني المنقطع النظير الذي أبداه الإعلامي السوري، حين تمكن من دخول المعركة الإعلامية بنجاح فاق التصور، لهذا رأيت الكل متحمسا في ورشة العمل من أجل تلقف الأفكار النهضوية وتجاوز الشوائب والأخطاء بهدف جعل الإعلام السوري متطوراً شكلاً ومضموناً وأداء، ومتصدرا الساحة الإعلامية العربية في المدى المنظور، فكما أن سورية قوية في قيادتها وجيشها وصمود شعبها كذلك سيكون إعلامها ، لهذا بدا الجميع من المشاركين والمشاركات في زحام للكلام فالظروف عصيبة ،والإعلام سلاح المعركة الأمضى، والكل على الزناد، يد تحمل القلم ويد ترفع السيف من غمده، تشهره في وجه كل عدو لسورية ، سورية الوطن الذي يفتدى بالأرواح التي لم تهتم لقذيفة هاون ترمى هنا أو هناك، أو لرصاصة قناص أرعن لايحمل ضميراً ناصع البياض، أو لمدفع تكفيري متخلف لم يعرف شرائع الرحمن الرحيم، حين المؤامرة كبيرة والتحديات أكبر، والمواطن السوري يدهش العالم في قوته على التفاعل مع الوضع الراهن، ومواجهته بصبر وصمود ، وعزيمة لا تقهر ، وإيمان بالوطن لا يضعف، رغم كل التحديات التي حاولت شطر المجتمع السوري إلى إثنيات وأعراق متناحرة لم تعرف التفكك يوما، ولا دخلت مرحلة الشك بالوطن أبدا، بل بقي اليقين ثابتا مرسوما على وجوه الجميع ، لأن سورية في قلب بنيها هي قلب العروبة النابض بالحياة، وهي الهوية الواحدة الموحدة، وليس فقط لأبنائها، وإنما لكل عربي يشهد أن هويته عربية .. لا شائبة فيها ولا خطوط سوداء.‏

فمن منا لا يعرف أنه حيث تكون دمشق، تتماهى العروبة على هامات العلا ، ويأنس الزمان من ضجيج العالم المأخوذ بجرائم البشر الفتاكة ، ومؤامراتهم الدنيئة، وخزعبلاتهم الشيطانية المنكسرة على قدميها الناعمتين، لهذا تحلق لغة الضاد حين تكون في ربوعها، حيث الأبجدية مصونة من الشوائب الدخيلة، هكذا كنا ونحن في ضيافة قائدها الرئيس بشار الأسد الذي أراد اللقاء مع الوفود العربية المشاركة لقاء صريحا ومتميزا، لهذا افتتح الحوار بالقول : كلي سمع ماذا عندكم؟ أنا جاهز للحوار، يمكن أن نتكلم بلغتنا المبسطة، في النهاية نحتاج الفكرالعقلاني المتطور، والنخب هم الأساس في بناء المجتمعات ، هنا كرت سبحة الأسئلة التي وجدت عند الرئيس الأسد الجواب الشافي والمقنع بحيثياته وتفاصيله الحقيقية ، فالنطق سليم معافى لا ترفده عبارة أجنبية، والفكرة تتماهى بصراحة متمكنة ، والنبض عربي بامتياز، والإيمان بقوة سورية هو الأساس، لهذا خرجنا ونحن على ثقة بأن سورية لن تهزم ولن تستطيع قوى البغي والعدوان أن تنال منها، وأن راياتها ستبقى مرفرفة على مدارات هذه الأمة المنكوبة بحكام لا يفقهون معنى الوفاء والأخوة والمصداقية والجدية والوطنية في التعاطي مع الأزمات المصيرية.‏

خرجنا ونحن نلعن الوقت الذي مر سريعا، بالرغم من أن الرئيس الأسد منحنا ساعتين من وقته المملوء برسم استراتيجيات المرحلة القادمة ومواجهة مخاطر الوضع القائم، لكن كنا على ثقة أن سورية في ظل هذا القائد الحكيم لن يمحى مجدها المكتوب في الكتب، ولن يخمد أوار عنفوانها العربي السليم المرفوع هوى ليلكي الفصول ، لأن مشعل العروبة فيها ثابت على معارج أسوارها، وفي قلب قائدها وشعبها وجيشها الذي أثنى على بطولته الرئيس لجهة الصعوبات التي يواجهها في هذه الحرب المفروضة عليه بعيدا عن خطوط المواجهة مع العدو الصهيوني.‏

عدنا إلى الفندق وعبق ياسمين دمشق المجلل أسوار بيوتها يملأ صدورنا بعبيره المعطر بالأنس والراحة والارتياح والنبل وحب الأشقاء، فدمشق وحدها القادره على مدنا بشحنات من الحب القوي، وبمزيد من الوصل والتواصل المتآخي مع مطالع الفجر الضحوك، الذي ما زال يبتسم للقدر الأبهى والأجمل، المتسلق قمم سورية الشامخات، من قاسيون حتى معلولا المرتاحة في أحضان صخورها الصلبة، الصامدة في وجه العواصف وأرياحها العاتيات.‏

لا يسعني في النهاية وقبل أن اختم سوى القول : إن الورشة كانت ضرورية وخلاصتها هو التأكيد على عملية الانتقال المعرفي الهادئ من واقع إعلامي آمن ومطمئن، إلى واقع آخر مختلف تماما، شعاره القضاء على الفكر التكفيري، والتزوير الممنهج للخبر والمعلومة المضللة والصورة المفبركة عبر توخي الحقيقة في تفكيك المعلومة أيا كان مصدرها، وتطوير العمل ورفد الوسائل الإعلامية بأحدث الأليات التقنية والتكنولوجية والبشرية من أجل مواجهة التحديات أيا كان شكلها وأبعادها، إنسجاما مع ما أكد عليه وزير الإعلام د. عمران الزعبي في كلمته حين قال : «إن العدوان على سورية صهيوني أميركي، ولتاريخه لم تحدث أي حرب أهلية أو صراع على أساس ديني أو طائفي أو مذهبي بالرغم من الإيحاءات بذلك لهذا فإن دور الإعلام مهم جدا في مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية»، لهذا بدت دمشق بكل أطيافها ووجوهها الرسمية والإعلامية العاصمة العربية الوحيدة القادرة على صنع المعجزات حتى في زمن الحرب المدمرة، وهذا ما أشار إليه أيضا رئيس مجلس الوزراء الدكتور وائل الحلقي خلال لقائه بالوفود العربية المشاركة ، حين قال: « رغم الامكانيات التقنية واللوجستية المتواضعة للإعلام السوري، إلا أنه استطاع مواجهة الحرب الشرسة على بلده بعزيمة جبارة استطاعت دحض كل الأضاليل الإعلامية التي حيكت ضد سورية».‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية