مستقبل النظام الدولي الراهن في مستوييه الاقتصادي والسياسي, ويفترض منذ البداية أن هذا النظام آيل إلى التغير من نظام تحتكر فيه الولايات المتحدة الأميركية مركز الصدارة بحكم قوتها الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية إلى نظام تتراجع فيه أميركا إلى الخلف لتصبح الصين القوة الاقتصادية الأولى في العالم وليصبح القرن الحادي والعشرون قرناً صينياً بامتياز.
ويمهد الكاتب لقراءته الاستراتيجية هذه بمقدمة يوضح فيها أسباب تحول الصين إلى قوة أولى في العالم لا من الناحية الاقتصادية فقط, بل أيضا من الناحيتين السياسية والعسكرية, وكذلك دعوة العرب لأن يتهيؤوا للإفادة من هذا التحول المنتظر في خدمة مصالحهم بانتهاج خطوات من التعاون الاستراتيجي مع الصين في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية تمليها وحدة المصالح بين العرب والصين وتاريخهما المشترك للمعاناة من نفس القوى الاستعمارية التي تمكنت من تأخير وحدة الصين لمئة عام وحالت دون الوحدة العربية حتى الآن, وأهمية الوطن العربي من الناحية الجيواستراتيجية, ومن ناحية ما تحويه أرضه من ثروات طبيعية ضخمة بالنسبة للدول العظمى والتي تعد الصين بأن تكون في المقدمة منها مستقبلا.
عرفت الصين أشكالا كثيرة من التدخل والغزو الاستعماري, ويعرض الكتاب لمرحلة طويلة من الصراع على الصين والصراع معها بدأت منذ أواخر القرن الثامن عشر واستمرت أكثر من قرن ونصف, وكان فيها أدوار بارزة لست دول استعمارية كبرى هي بريطانيا وفرنسا واليابان وروسيا وألمانيا والولايات المتحدة الأميركية. وطوال هذه المرحلة لم تتوقف الحروب ضد الصين ولم تتوقف ثورات الشعب الصيني من أجل حريته واستقلاله وتطوره, تماما كما صراع العرب مع الاستعمار نفسه وثوراتهم اللاهبة في جميع أقطارهم من أجل تحررهم واستقلالهم وتطورهم, وقد تكلل نضال الشعب الصيني بوقف التدخل الاستعماري ليتحول إلى بناء الصين الجديدة واستكمال توحيدها باسترداد هونغ كونغ والتصميم على إنهاء الوضع الانفصالي لمقاطعة تايوان. وفي إطار دخول الصين مراحل نهوضها يعرض الكاتب إلى عدد من التحولات المتتابعة أبرزها: ثورة الفلاحين بقيادة الحزب الشيوعي وزعيمه ماوتسي تونغ ومن ثم الثورة الثقافية فعمليات الاصلاح الاقتصادي وما رافقها من انفتاح على الاستثمارات الأجنبية.
ويلاحظ الباحث أن ما تحقق من معجزة اقتصادية في الصين تم بعيدا عن التبعية ومن خلال اعتماد الجدية والاصرار على التوافق دستورا للعمل الوطني وإلغاء الشعارات والأهازيج المناهضة والأهازيج الاستعراضية.
وفي مقارنة للاقتصاد الصيني بالاقتصادات العالمية يقول الباحث أن الصين تحولت بفضل التحديث الذي بدأ عام 1978 إلى عملاق اقتصادي (بلد مصدر ومنتج ومستهلك, 800 مليون مزارع, أعلى معدل نمو اقتصادي في العالم 10,2%) تحتل المرتبة الرابعة في العالم اقتصاديا وفي العام 2020 يتوقع لاقتصادها أن يتساوى مع نظيره الأميركي.
ويشير في هذه المقارنة إلى أن الأميركيين منقسمون في الرأي حول ازدهار الصين, إذ يرى بعضهم أن نموها يؤدي إلى زيادة الفرص الاقتصادية وأن الاقتصاد الأميركي يكون أحسن حالا, فيما البعض الآخر يستوقفهم سلم المداخيل في الصين واستحالة منافسته.
وفي عالم تعيش غالبية دوله حالات اضطراب قومي أدت إلى تجزئة العديد منها, تبقى الصين حالة فريدة فيه تتسم بالتماسك السياسي والقومي.
ويعزو الكاتب سبب ذلك إلى انتماء نحو 92% من شعب الصين إلى قومية واحدة وتمتع كافة القوميات الأخرى وعددها 55 قومية بالمساواة التامة وحماية الدولة لجميع الحقوق الشرعية للأقليات القومية وحظر التعصب القومي واعتزاز الإنسان الصيني بانتمائه لوطنه.
وعلى ضوء ذلك والقول للكاتب فإن النموذج الصيني وهو نموذج يمكن أن يتكرر عند العرب وغيرهم, هو نموذج حي يجمع الصينيين ويصهرهم في بوتقة واحدة, وهو نموذج يحترم التقاليد ويهدم بعضها.. دائم التجدد يسعى إلى إيجاد حلول لمشكلات لم يسبق لها أن وقعت.
وأمام احتياجاتها المتزايدة للطاقة لضمان نسبة نمو مستقرة أدركت الصين أهمية وضع استراتيجية متكاملة لأمن الطاقة لديها حتى أصبح يقال (حيثما يوجد نفط فالصينيون هناك) وهذا ما يضعهم في كفة المنافسة مع الأميركيين في البحث عن الطاقة والحصول عليها, ويفسر الكثير من الصراع والحروب في الشرق الأوسط واحتلال العراق وأفغانستان. ويعرض الكاتب لمراحل تطور النظام السياسي في الصين (تعديل الدستور لأربع مرات) وانتخاب نواب الشعب ورئىس الجمهورية وخارطة الأحزاب السياسية ومركزية الحزب الشيوعي فيها والسياسة الخارجية وموقف الصين المبدئي من قضية الصراع العربي الإسرائيلي والقائم على احترام وضمان السيادة والاستقلال ووحدة الأراضي والأمن لجميع دول المنطقة, ويتحدث عن الثقافة والأدب والفنون المختلفة وتأثيرها في بلورة الشخصية الصينية وجعلها شخصية تميل إلى السلام والبساطة والغموض والتأني والصبر.
وبخصوص التحديات التي تواجهها الصين فهي تنقسم إلى خارجية مصدرها أميركا واليابان والهند, وداخلية تتمثل في تحديات الإصلاح ومكافحة الفساد ومساوئ الانفتاح على الرأسمالية.
وفي بحثه المخصص لرصد واقع العلاقات العربية-الصينية وآفاق تطورها يدعو الكاتب العرب الى الاهتمام بالبحث عن دور الصين المستقبلي وتعاظمه, معللا ذلك بامتلاك الصين مؤهلات مكانة الدولة الأقوى في العالم مستقبلا, وانتفاء أي مخلفات سلبية بينها وبين العرب تاريخيا, ويقف فيما يقف على ثلاثة تطورات ايجابية شهدتها العلاقات العربية الصينية خلال العامين الماضيين هي: استفادة الصين من الموقع الجغرافي لسورية والمغرب بإقامة مدن صناعية فيهما, وتوثيق العلاقات السياسية والاقتصادية مع السعودية والدخول في مرحلة بناء علاقات استراتيجية بين الصين والدول العربية.
ويفرد الكاتب فصلا خاصا للحديث عن العلاقات السورية-الصينية فيتوقف عند الأهمية التاريخية لزيارة السيد الرئيس بشار الأسد الى الصين في حزيران 2004 مشيرا الى أنه (إدراكا من القيادة السورية لأهمية الصين وضمن إطار سعي سورية لكسر العزلة التي سعت أميركا الى فرضها عليها) قام الرئيس بشار الأسد بهذه الزيارة, وأعطت الصين بدورها في نيسان 2006 أكثر من رسالة دعم وتأييد لسورية بزيارة وفدين رفيعي المستوى الى دمشق وببناء المدينة الصناعية الصينية الحرة قرب دمشق.
وفي سياق تطور العلاقات السورية-الصينية يعرض الكتاب الى أوجه الاستفادة من التجربة الصينية في المجالات الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية.
وبعد أن يعرض الكاتب للعلاقات الروسية الصينية تاريخيا وأسباب الخلاف العقائدي ومن ثم التوافق والتحالف, يتحدث عن علاقات الصين بالولايات المتحدة الأميركية مشيرا الى الخلافات السياسية العميقة حول الملف النووي لكل من إيران وكوريا والموقف من قضايا تايوان وحقوق الإنسان ومسائل الخلاف التجاري.
ويرى المؤلف أن الصين على الرغم من عدم رضاها على السياسة الأميركية وتصديها لهذه السياسة فإنها ستبقى غير مستعدة لتوتير علاقاتها مع الولايات المتحدة مالم تصل الغطرسة الأميركية إلى حد استفزاز التنين الصيني في عقر داره.
وهكذا فكتاب (العرب والصين) فيما احتوى عليه من دراسة اعتمدت منهج البحث المرتكز على التحليل والمقارنة والمعلومة والتاريخ والقراءة المستقبلية يحمل رسالة للعرب كي ينفتحوا على قوة عظمى آتية إلى المسرح الدولي بسياسة مفعمة بقيم إنسانية أقرب ما تكون إلى قيمهم, خدمة لمصالحهم ومصالح شعوب العالم التي لشدما عانت من ظلم قوى الاستعمار والهيمنة.