ولكن الأمنيات تحتاج إلى عمل حقيقي خصوصا وأن العام الماضي طرح موضوع قانون حماية المستهلك أمام الجمهور لمناقشته تمهيدا لإقراره من قبل الحكومة إضافة إلى التعديلات المنتظرة على قوانين التموين والأسعار فهل تصدر مثل هذه القوانين في هذا العام لنضيق الفجوة بين المستهلك والأسواق ..
وفي هذا السياق وفي ظل التوجه الحكومي نحو اقتصاد السوق يبدو أن مفهوم (تحرير الأسعار) في الأسواق المحلية لم يستوعبه التاجر ولا المواطن كما يفترض من وجهة نظر اقتصادية واجتماعية , ولم يتبلور حتى الآن دور الرقابة التموينية الجديد حياله., . وهذا المفهوم يعني ببساطة إتاحة كامل الحرية للمنتج والبائع في التسعير, بما يتناسب مع نوعية المنتج والتنافس عليه, والرقابة يهمها بدرجة أولى بطاقة تعريف صحيحة ومقرونة بكل سلعة, ووضع سعر معلن وبخط واضح ومكان بارز... وبالتالي لا تتدخل بارتفاع الأسعار أو انخفاضه, وتتركه للمستهلك الذي يقرر لوحده في نهاية الأمر اختيار هذه السلعة أو رفضها..
بيد أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل يستطيع المستهلك تقييم جميع السلع من ناحية النوعية والسعر? ..وطبعا الجواب بالنفي.. لأن عدد المنتوجات المعروضة يتضاعف عدة مرات مع مرور الزمن, والتنافس يزداد والإعلانات تحرض على الشراء وتقدم خيارات واسعة, ويتعرض المشتري لأساليب البيع غير النزيهة, و لذلك كله تحتل حماية المستهلك مكاناً ثابتاً في نظام اقتصاد السوق.. والسؤال: كيف? تنطلق سياسة حماية المستهلك, من مبدأ إضفاء الشفافية على السوق, وجعل المستهلك قادرا على اتخاذ قرار الشراء بصورة عقلانية.. وهذا يتطلب معلومات عن حقوقهم بشأن المطالبة بالتعويضات, أو عند إبرام عقود العمل والشراء, وحتى الاقتراض أو الإيداع في المصارف, أو حتى عند السفر الداخلي أو الخارجي.. وهكذا .. لا يتوقف مفهوم الاستهلاك على الشراء التقليدي من السوق المحلي, بل يشمل كل الخدمات والسلع التي يحتاجها, أو يتعامل معها المواطن كالمساكن والفنادق ووسائط النقل والاتصالات وغيرها.
وبالنتيجة فإن (حقوق المستهلك) مسألة هامة للغاية وبذات الوقت معقدة إذا كنا لا نمتلك أدواتها, والطريق إلى ذلك بات واضحاً من خلال تراكم خبرات المجتمعات المتقدمة صناعياً, بحيث أصبح لديها ضوابط قانونية تحمي المستهلك أينما كان داخل البلاد وخارجها, وذلك من خلال مسارين.
المسار الأول: من خلال هيئات حكومية وشعبية كجمعيات حماية المستهلك وهيئة اختبار السلع, التي تقوم بفحص مختلف السلع والخدمات لتحديد نوعيتها والعلاقة بين سعرها وجودتها, ولمعرفة مدى ملاءمتها للبيئة, وهي مؤسسة علمية حيادية وتنشر نتائج اختباراتها في كل وسائل الإعلام, خدمة للمستهلك والمنتج على حد سواء.. أما المسار الثاني, فهو حزمة القوانين والتشريعات التي تحمي المستهلك, منها قانون الشروط التجارية العامة الذي يحمي الزبائن من الكتابة الصغيرة غير المقروءة وقانون المواد الغذائية الذي يحمي المستهلك من تناول المواد الغذائية الضارة بالصحة, وقانون عقود السفر الذي يلزم الجهة المنظمة بالتقيد بوعودها والتأمين على سلامتهم.
وطالما حددنا خيارنا في اقتصاد السوق, والانفتاح على الأسواق العربية والعالمية, فإن هذين المسارين يحتاجان إلى المزيد من العمل وبسرعة..