|
الجزيرة الوثائقية .. لمشاهد غير حيادي فضائيات ولدت الوثائقية كابن شرعي عتيد قدم نفسه تحت شعار (وراء كل صورة حكاية) قبل خمسة عشر يوما من الافتتاح الرسمي وكل الذين تابعوا تقديم برامجها أدركوا أنهم أمام جديد لا يستهان به على صعيد التوثيق باللغة العربية, ومنذ مهرجان الجزيرة للانتاج التلفزيوني تم التصريح عن فكرة اطلاقها عندما أعلنت ريما عازر رئيسة البرمجة في الجزيرة الوثائقية (المشروع) أنها مستعدة للمشاركة في دراسات تعيد النظر في صناعة الاعلام الوثائقي وتغيير الأفكار القديمة, وأنها ستجسد مفاهيم جديدة وستعمل على ترسيخ فكرة الانتاج المشترك مع امكانية فتح مجالات لم تفتح من قبل ,مجالات المرأة والأطفال والجنس بشكل يحترم القيم والتقاليد. افتتحت الوثائقية بثها ببرنامج أعد في قطر يتناول أثر الصورة الفوتوغرافية الثابتة في الناس مع امكانية بث البرامج التي انتجتها القناة الأم (الجزيرة) خلال مسيرتها التي بلغت 10 سنوات. أما عن الهدف من اطلاق المحطة الجديدة فيقول المشرف عليها توفيق قوني: يأتي الاطلاق في إطار سياسة التوسع الأفقي لشبكة الجزيرة الذي يستدعي بدوره قناة وثائقية تقدم المعلومات المختلفة بشكل وثائقي وبصورة أكثر عمقا وتحليلا, ما يهدف أيضا الى نشر الوعي والتثقيف عند الجمهور العربي. القناة بدأت بتنويع برامجها الوثائقية (التاريخي-الثقافي-العلمي-السياسي-الأدبي-الرياضي) وهي حسب تصريحات مسؤوليها ستبدأ ببث ما يقرب من 15% من انتاجها وسيصبح 20% خلال وقت قريب, أما الباقي فستعتمد القناة على ترجمة برامج أخرى عامية ليست أوروبية وأميركية فقط, وقد أبدت استعدادها لدعم المصورين والمخرجين العرب والأجانب حول العالم ذوي الكفاءة في مجال الاعلام الوثائقي وخلال الأيام القليلة الماضية بدا يتضح للمراقب والمتابع شكل التوجه وتنوعه فعلى مدار الساعة بدت القناة متوازنة وقادرة على تقديم برامجها بحرفية عالية يقف وراءها كادر متمكن ينتقي بعناية ما يريد أن يقوله البرنامج القادم بطريقة تشد المشاهد, فالقضايا المطروحة على اتساعها تلامس لب مشكلات المواطن العربي حتى في القضايا التاريخية ومشكلات العالم التي لها انعكاس على الواقع العربي. برنامج (خلف الحقيقة) الذي قدم حلقة عن الايدز دخلت الكاميرا الى البيوتات الفقيرة والتقت بالمصابين وقدمت مشكلاتهم دون مواربة والخلفية الاقتصادية والاجتماعية والنفسية لمرضهم .ويبدو البرنامج معنيا بالأسرة العربية ومشكلاتها البنوية أما البرامج السياسية فمتنوعة من حرب لبنان الى أيام الثورة البرتقالية في انتقال بين التاريخ المتصارع في لبنان منذ الثلاثينات وانعكاساته الى الانقلابات الهادئة في العالم وصولا الى برنامج (اسرائيل رؤية من الداخل) الذي يفضح التناقض والصراع الذي يعيشه المجتمع الإسرائيلي بفسيفسائه الملون والغريب. من البرامج ذات الطابع الثقافي قدمت الوثائقية برنامجا عن المفكر العربي الأميركي ادوارد سعيد وبرنامجا بعنوان كنوز الأرض يتناول حضارات العالم القديم (حلقة عن البحرين-حضارة الإنكا) اضافة الى برنامج بعنوان (فن ومبدعون). كما ستقدم القناة برامج تتناول مدنا لها أثر في الحضارة الانسانية ويتم الاعلان عن برنامج بعنوان (اسطنبول ذات ألف الوجه) وشخصيات ساهمت في هذا الأثر (جنكيز خان). ولا تنسى الوثائقية الرياضية في اختلاطها بالعامل الانساني فسوف تبث برنامجا عن كيفية تجميع المنتخب الفلسطيني في الشتات ليمثل بلدا تحت الاحتلال والصراع بعنوان (كأس العالم إن شاء الله). كذلك تدخل الوثائقية دقائق الصراع الاقتصادي والاجتماعي للولايات المتحدة الأميركية وتتناول الاشكالات والصراع على خلفية تفجيرات 11 أيلول 2001 في برنامج بعنوان (لعنة التعويض). أما الجانب الانساني الذي قدمته الوثائقية في برنامج (الغلام الذي يلهو فوق بوذا باميان) والذي يتحدث عن طموحات سكان الكهوف الافغان في ظل الصراع الدائر في وطنهم الداخلي في محاربة الفقر والجوع والبرد,والخارجي في الصراع مع القوى العظمى, والحضاري لانتماءاتهم الدينية والانسانية فالطفل(يد) يبدو رمزا للجيل القادم من قلب الموت والفقر. الوثائقية الجديدة تبدو متناغمة وقادرة على التنوع المثير فهي تتناول كل ما يمكن أن يؤرق مشاهدا يريد أن يشارك لو بالمعرفة فيما يدور حوله ,مشاهد غير مستثنى من الدور والصراع, وخصوصا المشاهد العربي المشتت بين فضائيات لم تعد ترقى لصراعه الوجداني وخوفه الحضاري بعد أن شكلت القنوات العربية الأخرى إطارا ساذجا لأحلامه ونظرت إليه كمستقبل حيادي.
|