لتعيش خلاياه في عزلة بمحض إرادة ، وتنصرف لاعتكاف في صومعة زاهدة في نسج علاقات ذات إخلاص وإيثار ومحبة ولهفة ، مع مقربين ومحيط تشقق نسيجه جراء بعد و جفاء ، و تكسرت أصوله و فروعه من صقيع مشاعر.
في أودية متفرقة توزعنا منفردين ليغني كل على ليلاه وحيدا ، لا يسمع إلا إيقاعات ذاته ، و لا يبصر إلا وجه نرجسيته الغارقة في الأنا حتى الصمم و البكم و نكران الحواس، وعلى مشارف صوامعنا دونا عبارات صد و تحصين، و مددنا أسلاكا شائكة كحماية من متسللين محتملين يبغون الوصل «ممنوع الإزعاج.. البعد عن الناس غنيمة.. صباح الخير يا جاري انت بحالك و أنا بحالي.. لحالي أحلالي.. فخار يكسر بعضه.. بلا ناس بلا وجع راس «في انسحاب تكتيكي من علاقات اجتماعية كانت قوية قبل هجوم وسائل التواصل الاجتماعي لتغزو بيوتنا ، و تستحوذ على ساعات يومنا دون رحمة لشبكة علاقات اجتماعية، تغذي أرواحنا بعشرة حقيقية تكون سندا وعونا في الملمات وأنيسا لضيق الأرواح.
العشرة الالكترونية سحبت البساط من تحت العشرة الحقيقية ، و انتصرت عليها دون خوض معركة ، و بكل يسر رفعت الشبكة العنكبوتية رايتها الزرقاء احتفاء بالنصر على أشلاء صداقاتنا ، و أنقاض صلة أرحامنا و أطلال حق جيراننا ، فالوقت بالكاد يتسع لتصفح الصفحات الزرقاء ، و امطارها باللايكات و الكومنتات و البحث في السمايلات عما يترجم مشاعرنا الالكترونية الباردة ، توددا لعشرة أباعد أغراب ذات طفرة اجتماعية معاصرة ، كنا من أتباعها و أنصارها باستلاب ناعم لعقولنا.
ابتعدنا كثيرا عن بعض و جدران الجفاء زادت ارتفاعا ، و بالكاد بتنا نسأل عن أصدقائنا و نجهل من يجاورنا أبواب بيوتنا ، و آخر من يعلم بأخبار أرحامنا ، و مشاعرنا باتت حبيسة وجوه و قبلات كرتونية جوفاء ، فزمان الوصل قد ولى.. والدواء عصي على الجفاء..