والسجالات السياسية التي تتركز حول أمور كهذه, عادة تتم صياغتها وكأنها تتعلق بوعود وسياسات يمكن تنفيذها, كما أنها تحمل في طياتها افتراضاً مضمونه أن الولايات المتحدة هي دولة ذات قدرات وقوة هائلة, هذا هو بالتحديد نوع السجال الدائر في الوقت الحالي حول مستقبل العراق في الساحة السياسية الأميركية.
ف -أوباما- يقول إنه سيعمل على سحب القوات الأميركية من العراق خلال ستة عشر شهراً من تاريخ رئاسته.
أما -ماكين- فيقول إنه سيعمل على إبقاء الجنود الأميركيين كقوة أمن لمدة عشر سنوات وربما أكثر من ذلك.
فيما يتعلق بالانسحاب من العراق, فإن الولايات المتحدة أمامها خياران:
الأول: وضع شؤون العراق وأمنه ومستقبله في أيد عراقية بأسرع وقت ممكن, وهذا يعني أن تغادر العراق في نهاية المطاف.
أما الخيار الثاني: فهو تحويل العراق إلى دولة تابعة للولايات المتحدة وتدور في فلكها.
من المعروف أن وضع أميركا في العراق سينتهي مع نهاية هذه السنة بانتهاء التفويض, الذي كان ممنوحاً لها من قبل مجلس الأمن, وهو ما جعل البعثة الأميركية في العراق تعمل بقوة لمدة عدة شهور لكي تحصل على قرار جديد من مجلس الأمن يخولها البقاء هناك لزمن غير محدد.
وهذا القرار كان من المفترض أن يمنح الولايات المتحدة التفويض الضروري اللازم للاحتفاظ بقواعدها الضخمة, التي أقامتها هناك, وكذلك الاحتفاظ بالسفارة الأميركية في المنطقة الخضراء, والتي تعد أكبر سفارة أميركية في العالم.
كما كان مفترضاً لهذا القرار أيضاً أن يمنح الولايات المتحدة سلطة السيادة على العمليات العسكرية داخل وخارج العراق,وأن يمنح القوات الأميركية والمسؤولين الأميركيين, والمقاولين المدنيين المختارين, إعفاءً رسمياً من القوانين العراقية سواء الجنائي أو المدني أو العسكري, مع فتح باب الاقتصاد العراقي على مصراعيه »إذا استطاعت أميركا فرض شروطها في هذا الإطار« أمام الشركات الأميركية الكبرى التي ستكون خاضعة للقانون الأميركي وليس العراقي.
ولمحاولة التخفيف من التداعيات التي يمكن أن يرتبها مثل هذا الوضع, فإن الولايات المتحدة تحبذ الإشارة إلى مثل هذه الاتفاقية على أنها اتفاقية عادية لترتيب -أوضاع القوات- وتقول إن هذه الاتفاقية الأمنية لا تختلف عن تلك الاتفاقيات التي تبرمها عادة مع الدول, التي تنشئ قواعد أو محطات لقواتها في أراضيها.
من الصعب تطبيق مثل هذه الأمور في العراق بموجب الاتفاقية الأمنية الأميركية العراقية المقترحة, وهو ما يعود لحقيقة أن الولايات المتحدة تريد أن تكون لها صلاحيات ضخمة في هذه البلد, كما تريد أيضاً الاستئثار بقطعة كبيرة من حصته الاقتصادية وتجارته النفطية وامتلاك قواعد ومنشآت في المنطقة الخضراء,بحيث تشبه تلك المنطقة في النهاية »المنطقة الدولية« في الصين في القرن التاسع عشر والتي كانت عبارة عن منطقة كبيرة لا يطبق فيها القانون الصيني ولها شرطتها الخاصة, ومحاكمها وضوابطها الجمركية.
ومع هذا نرى أن المعارضة لمثل تلك الاتفاقية تتزايد حتى في أوساط جميع التحالفات, حتى المؤيدة منها لرئيس الوزراء العراقي, حيث تصر على عدم اتخاذ أي خطوة في هذا الاتجاه قبل الانتخابات البرلمانية التي ستعقد في موعد لاحق من هذه السنة.
ولعل أهم رفض لتلك الاتفاقية, هو ذلك الرفض الذي يجب أن يحصل وبوش لا يزال رئيساً. وبهذا يكون من الحكمة بالنسبة لمرشحي الرئاسة -أوباما وماكين- أن يعلنا صراحة بأنهما يتنصلان من محاولة بوش التي يقوم بها. وبما أن العراقيين جميعهم يقولون ذات الشيء, فهذا يثبت أن العملية السياسية السليمة قد بدأت حقيقة هناك, وهذا يمثل نبأ طيباً بحد ذاته.