يطلب العرض من ايران »تعليق تخصيب اليورانيوم وجميع أنشطة المعالجة الأخرى«, و »إخضاع منشآتها النووية لعمليات التفتيش من الوكالة الدولية للطاقة الذرية. مقابل تقديم القوى العظمى المساعدة لتطوير صناعة الطاقة النووية بوقود خارجي, وهكذا تكون ايران قد »قطعت أشواطاً نحو تطبيع العلاقات الاقتصادية والتجارية«.
لقد أعلنت ايران دائماً أن الهدف من إقامة مصنع في ناتانتر هو إنتاج اليورانيوم الضعيف التخصيب وذلك لتزويد المحطات النووية المولدة للكهرباء. والتقرير الذي قدمته ست عشرة وكالة استخبارات أميركية, وقامت بنشره وكالة الاستخبارات القومية في كانون أول الماضي ينص على أن ايران قد أوقفت كل برامج التسليح النووي منذ عام ,2003 وحتى لو كان لديها برنامجاً, فلن يكون بمقدورها إنتاج هذه الأسلحة قبل عام .2015
كما أن التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية في أيار الماضي, لم يقدم أيّ دليل على امتلاك ايران لبرنامج خاص بتطوير الأسلحة النووية منذ عام .2004
العرض المقدم في الرابع عشر من حزيران استند إلى اتهام إدارة بوش للحكومة الإيرانية بإخفاء الحقائق. والقوى العظمى أعلنت أنها »تعترف بحق ايران باستخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية المتفقة مع التزاماتها بمقتضى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية«. لكن هذا لم يمنعها من أن تطلب مجدداً من ايران إنهاء معالجتها للوقود النووي اللازم لتشغيل المفاعل النووي ( وهو ماتسمح به معاهدة منع الانتشار ), حتى تتمكن ايران من »استعادة الثقة الدولية بالبرنامج النووي ذي الطبيعة السلمية «.
وبما أن العرض بمثابة انذار نهائي أكده الرئيس الأميركي بوش, وتبعه رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون مصرحاً أن ايران إذا لم تقبل هذا العرض, فإن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي, ستجد نفسها مضطرة للانضمام إلى جانب الولايات المتحدة لفرض عقوبات اقتصادية أشد والتي ستصيب مباشرة عمليات بنك » ملي « البنك المركزي الايراني, وكذلك الصناعة النفطية والغازية.
وعاد بوش ليكرر أن » على الايرانيين « أن يفهموا أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة, إلاّ أنه لوح في الواقع, بالضربات العسكرية الأميركية ضد ايران.
وفي وقت لاحق من شهر حزيران المنصرم, انضم إلى الجوقة شاؤول موفاز نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي, الذي عبّر بوضوح عن الموقف الفعلي الذي اعتمدته دوائر اتخاذ القرار في اسرائيل, معلناً أن العقوبات كانت » غير مجدية «, وأن مهاجمة ايران لوقف مشاريعها النووية بات حتمياً «.
وأشار تحقيق صحفي ل » دير شبيغل أونلاين « إلى أن هناك »اتفاقاً داخل الحكومة الاسرائيلية أن الهجوم الجوي على المنشآت النووية الايرانية أصبح وشيكاً«. والأغلبية من أعضاء مجلس الوزراء الاسرائيلي تعتقد أن العقوبات لن تكفي لإقناع الرئيس محمود أحمدي نجاد لسلوك طريق آخر « قال وزير الهجرة ياكوف ادري.
كما أن اسرائيل قلقة لأن طهران تمكنت من تصميم صاروخ بحري قادر على التخلص من اعتراض » آرو « وهو نظام دفاعي مضاد للصواريخ في الجيش الاسرائيلي. وتشتبه أن ايران قد حصلت بصورة غير مشروعة على صواريخ بحرية أوكرانية X-55 واستخدامها كنماذج في مشروع عملي مستقل. إنه صاروخ بحري يطير على ارتفاع منخفض لتفادي المراقبة الرادارية والاعتراض, ويمكن أن يستخدم لحمل رأس نووية.
إن أيّ هجوم على ايران مهما كانت مبرراته, هو جريمة كبرى, فخلف هذه الهستيريا المفتعلة حول برامج التسليح النووية يوجد تصميم دوائر صنع القرار الأميركي وربيبتها اسرائيل لضمان هيمنتها على الشرق الأوسط, وبالتالي السيطرة على الشريان الأساسي للعالم وهو النفط. وإن جهود النظام الايراني في غضون السنوات السابقة التي تركزت على الاهتمام بالعلاقات السياسية والاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي, روسيا والصين تشكل في نظر واشنطن تهديداً مباشراً لمصالحها في المنطقة.
منذ أكثر من عامين, كشف الصحفي الأميركي سيمور هيرش في صحيفة » النيويوركر « الخطة المفصلة للهجمات الجوية الكثيفة ضد ايران, مع احتمال استخدام الأسلحة النووية لضرب المخابئ السرية الحصينة. وقد كشفت مصادر هيرش أن الأهداف تعد » بالمئات « وهي ليست محصورة بالمنشآت العسكرية والمباني الحكومية, وإنما ستطول المحطات الكهربائية, الجسور, شبكات توزيع الطاقة الكهربائية والبنى التحتية المدنية الأخرى.
وما من شك أن في اسرائىل طبقة من العناصر اليمينية المهووسة, والمؤيدة لاستخدام الترسانة النووية لقتل ملايين الايرانيين, وتحويل البلاد إلى خراب. ففي نيسان, قال بنيامين بن اليعازر, وزير البنى التحتية الاسرائيلي إن الحرب مع ايران ستؤدي إلى » دمار الأمة الايرانية «.
وأوردت صحيفة دير شبيغل الألمانية ملاحظات أدلى بها مؤخراً المؤرخ الاسرائيلي » بني موريس « قال فيها: » إذا كانت المسألة هي معرفة من عليه أن يفنى أولاً ايران أو اسرائيل, فالجواب عندها هو: ايران «.