أخبار متناقضة!
تطرح هذه المقدمة تساؤلاً لا بد منه:ترى هل تقوم المحطات الفضائية الإخبارية بما ذكرناه آنفا? أم أنها مجرد برامج ذات أهداف مختلفة تعرض تحت عناوين إخبارية!.
لا يخفى على أي متتبع للمحطات الإخبارية الفضائية التنوع والتناقض اللذان يميزان تلك المحطات,فالأرقام والأحداث والمواقف وكل ماله علاقة بالخبر الواحد تأخذ شكلا مغايرا بين محطة وأخرى.
فعدد القتلى في حادثة ما على إحدى المحطات ربما يكون خمسة,بينما تذيع محطة أخرى نفس الخبر لكن القتلى هنا عشرة أو ربما ثلاثة! يموت أطفال في تفجير انتحاري في العراق,بينما يموت جنود أميركيون على محطة أخرى في الانفجار نفسه!تساند الجماهير المعارضة في بلد ما على إحدى المحطات,وفي الوقت ذاته وعلى محطة أخرى تساند الجماهير الحكومة في البلد نفسه!.
إن ذكر جميع الأمثلة المتوفرة عن هذا التناقض يضعنا أمام كم هائل لا تستوعبه صحيفة واحدة,لذلك سنكتفي بهذا ونقول إنه أمام هذه المتاهة الإخبارية يجد المشاهد نفسه ضائعا في متاهات من البرامج التحليلية والحوارية التي تحاول تفسير الأحداث اليومية حسب أهوائها الخاصة,كل من وجهة نظر مصلحتها,فتكبر المتاهة,وتكثر التساؤلات,ويضيع الخبر الأصلي مع أبطاله وضحاياه.
هل هي مجرد فوضى واختلاف في الآراء? أم أن الأمر قد درس بعناية وخطط له ليبدو بهذه الصورة? هل هي حرية الإعلام الحقيقية? أم أنها حرية الإعلام على طريقة الديمقراطية الأميركية,حرية الفوضى الخلاقة?.
أخبار تنام وأخرى تصحو!
أمر يتعلق بالأخبار الفضائية ويدعو إلى الاستغراب والتساؤل! فجأة يطفو خبر على السطح ويستحوذ على اهتمام المحطات جميعها دون استثناء,وهو أمر طبيعي,لكن المثير للعجب هو أن هذا الخبر أو الموضوع الشائك يختفي فجأة كما ظهر ليحل مكانه خبر أو موضوع آخر يستحوذ على اهتمام جميع المحطات في آن واحد!.
فالعراق المليء بالأحداث المتلاحقة والدامية يملأ شاشات الجزيرة -العربية لفترة معينة فيطغى على أحداث لبنان وفلسطين وأفغانستان لدرجة تشعر فيها أن لا شيء يستحق الذكر في تلك البلدان,أو أن المشاكل جميعها قد حلت فلم يعد هنالك داع لتغطية الأحداث فيها! وكما السحر يختفي العراق عن الساحة الإعلامية ليصبح لبنان,مثلا,هو الخبر الرئىسي شبه الوحيد,ثم لتحل فلسطين مكانه بعد فترة,وبعدها أفغانستان,ثم مصر,ثم إيران,ليعود العراق فجأة من جديد فيتصدر قائمة الأحداث الهامة ويهمش ما سواه!.
إنه لمن الوارد أن تشتعل الأحداث في لبنان والعراق وفلسطين وأفغانستان ومصر وتركيا في آن معا,ولكن ما هو سر ذلك الاتفاق ا لضمني بين المحطات الإخبارية على إبراز خبر على حساب آخر,ومن ثم العودة إلى الآخر على حساب الخبر الذي همش أمامه في البداية?.
الجواب:إنه فرز مدروس يسعى إلى خلق رأي عام مضطرب,تائه,لا يعرف بداية مشاكله من آخرها,ولا يستطيع الربط بين الأحداث بشكل منطقي,فيدخل في دوامة سفسطائية من التحليلات والآراء المختلفة,ويفقد القدرة على اكتشاف مواضع الألم والخطأ في واقعه,فيختلط العدو بالصديق,ويغدو التحرك عشوائىا ما يفسح المجال لاختراق الرأي العام أكثر,وتحييده أو تعطيله أكثر فأكثر.
لقد أصبح لكل مشاهد محطة إخبارية مفضلة يتابع أخبار العالم عبرها,ولا يصدق غيرها,فهو يؤمن بتحليلات خبرائها ويتبنى مواقفها,ليحقق أهدافها من دون أن يشعر,نبيلة كانت أم خبيثة!.