وقد تحاول وسائل الإعلام العربية بمختلف أنواعها سواء بقصد أو من دون قصد ترسيخ ثقافة سياسية معينة من خلال الترويج لمفاهيم العولمة بمضمونها السياسي والاقتصادي, وحوار الحضارات وقبول الآخر والتعايش السلمي.
إلا أنه من المؤسف أن هناك كتاباً وإعلاميين وحتى مفكرين يراهم كثيرون على أنهم قوميون, قد تم استغلالهم في ترسيخ روح الانهزامية والإحباط في نفسية المواطن العربي.
وهناك مدسوسون ممن يمكن أن يبيعوا ضمائرهم, أو انتهازيون ( يميلون مع النعماء حيث تميل ), لايملكون رأياً يدافعون عنه, ولامبدأ يستبسلون من أجله. وليس بوسع أحد أن ينكر أن الساحة الإعلامية ملأى بهؤلاء الذين استفادوا من إطلاق حرية الإعلام في بعض الأقطار العربية أو في المهجر, فجندوا أقلامهم وثقافتهم لصالح أعداء الأمة, وباتوا ينهشون في الجسد العربي, ويسخرون من تاريخ العروبة بل ينكر بعضهم حضورها كأمة, وبعضهم فاجأنا بكراهيته وحقده على الإسلام, فاستغل الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب ليشهر سكينه ويغرزه في وجدان أمته.
ولاأحد بوسعه أن ينكر أن الإسلام هو وجدان هذه الأمة, ولاأحد يخفى عليه الفارق بين العاملين من أجل تجديد الخطاب الإسلامي وتنقيته من التطرف والجمود والمغالاة والتعنت والتعصب. وبين العاملين على هدم البنيان وتقويض الأركان.
ولقد استغل حرية الإعلام في بعض الأقطار والمهاجر كتاب كبار بشرونا بثقافة السلام (التي كنا نتوقع أن تكون بحثاً عادلاً ومنصفاً في إطار التعايش الممكن,وتوصيفاً موضوعياً لعلاقات جديدة بين شعوب المنطقة بحيث يستعيد صاحب الحق حقه كاملاً في إطار الشرعية الدولية وعبر المفاوضات الحضارية تجنباً للحروب المدمرة).
فإذا بعضهم يوظف طاقاته لخدمة المشروع الصهيوني وحده, ويعادي المشروع العربي, وقد رأينا بعضهم يثير مشكلات الأقليات ( على سبيل المثال ) بطريقة استفزازية, بحيث يصير الطرح بحثاً عن الفتنة, وليس بحثاً عن الحقوق التي يجب أن تصان, ورأينا بعضهم يسخر من ثوابت الأمة ومن أخلاقها وتاريخها, ويهاجم لغتها وثقافاتها وأديانها.
وتحاول بعض وسائل الإعلام العربية الترويج لاستخدام وسائل أخرى غير المقاومة في تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة, من منطلق أن العمليات الاستشهادية باتت غير مجدية, بل إنها من وجهة نظر البعض لاتواكب العصر, وفي الوقت ذاته تعكس صورة سيئة عن المواطن العربي والمسلم لدى البلدان الغربية.
إن استخدام جزئيات صغيرة مشبوهة بغرض التشويش على حقائق كبيرة لم يعد مجدياً في ظل ثورة التقنيات, فالمناداة بعدم جدوى الحرب مع إسرائيل لأنها متفوقة على الدول العربية والاسلامية وتمتلك القنابل النووية, لا تبرر تقاعس الدول العربية والاسلامية عن تفعيل قدرتها على المواجهة.
لكن يبدو أن تلك الدول ركنت إلى تهديدات بعض البلدان الغربية خصوصاً الولايات المتحدة التي تعلن مراراً وتكراراً دعمها الكامل للكيان الصهيوني,وعلقت على الموقف الامريكي المتحيز باعتباره عقدة لايمكن الفكاك منها وضمن هذا الإطار لاتزال تجربة »حزب الله« ماثلة أمامنا كدليل على نجاعة المقاومة رغم تفاوت القدرات العسكرية والتقنية.
ونحن ندرك أننا نواجه نوعاً من الاستغلال لحرية الإعلام,وقد أمتلأ العالم بمنظمات دولية صار همها الوحيد أن تدافع عن حقوق الشواذ فكرياً وجنسياً ,وبعضها ينفق الميزانيات الضخمة لتحقيق اختراقات اعلامية للفكر والثقافة العربية عن طريق الإعلام ,وقد بدأنا نلحظ انتشار برامج فضائية مكلفة جداً, همها الوحيد تحقيق هذا الاختراق ,وإلهاء الشباب العربي عن قضايا أمته,وإشغاله بقضايا تافهة يقبل عليها بشوق إلى التصويت الذي حرم منه في السياسة فوجده في الفنون ,بل فيما يشبه الجنون في تلك البرامج التي تقترح على الشباب أن يجلسوا أمام التلفاز طوال الليل والنهار ليتفرجوا على من تأكل ومن تشرب ومن تجلي الصحون, في وقت بدأ الأقصى فيه يتهدم وتنهار أساساته وجدرانه.
وهذا النوع من الاختراق ليس أقل شأنا من الاختراق الصريح للإعلام السياسي في كثير من الصحف والمحطات الفضائية التي تردد مصطلحات الإعلام الصهيوني و تجعلها قيد التداول عبر سياسة الأمر الواقع.
إن المعركة مع الكيان الصهيوني ليست عسكرية فقط,بل هي أيضاً معركة اعلامية, وحتى الآن نجح اليهود في ترويج رؤاهم كي يتعاطف العالم معهم,ما يستوجب علينا توظيف اعلامنا توظيفاً واعياً ومدروساً من أجل نصرة قضايانا.