تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


معرض صالح الهجر وريم جمعة.. ردة فعـــل معاكســـة لتوتــــرات الأيـــام الرماديــة..

ثقافة
الاثنين 17-11-2014
 أديب مخزوم

ظاهرة استمرارية الانتاج والعرض، والنشاط الثقافي بشكل عام، يمكن اعتبارها في المرحلة الراهنة بمثابة ردة فعل معاكسة لتوترات الأيام الرمادية, وذلك لأن العمل الفني الجمالي، المشرع على الاحاسيس الانسانية العميقة والبريئة، يشكل في النهاية صرخة رفض تجاه لامبالاة الاستمرار في معايشة دوامة العنف والرعب والموت والخطف والاعتقال والتهجير.

ولقد جاء معرض الفنان التشكيلي صالح الهجر والإعلامية المصورة الضوئية ريم جمعة، في قاعة المركز الثقافي العربي بأبي رمانة، ليساهم في إعادة الحيوية والحركة، الى حياتنا الفنية والثقافية.‏

‏‏

صالح الهجر والتشكيل الحروفي‏‏

مع رحلة الفنان التشكيلي صالح الهجر نجده ينحاز وبقوة نحو اللوحة الحروفية، وضمن النهج الحامل ملامح جمالية، لاتتوقف عند اللوحة الخطية المقروءة، وانما تتجاوزها نحو ابعاد جمالية وتشكيلية وتقنية بحتة. هكذا يسعى في حروفياته، المشغولة بتقنية الاكريليك، لإظهار المزيد من العفوية في تجسيد حركة الحروف العربية، بحيث تبدو الحركات الخطية في لوحاته كأنغام بصرية موسيقية، متتابعة في خطوات البحث عن العمق الجمالي والتشكيلي والإيقاعي والذاتي.‏‏

وهو يحافظ في مقاطع الكلمات أو الحروف على القواعد الجمالية الاتباعية، ولايتجاوزها الى حركات انفعالية وارتجالية، وهذا يعني أنه يركز في خطوات صياغة اللوحة لإظهار العقلنة التي تتوازى مع حركة الاحاسيس، وذلك بالابتعاد عن الارتجال، وبتقديم التكوينات المدروسة على الصعيدين التشكيلي والتلويني. ولقد استطاع كشف غنى الحروف العربية، وأنواع الخطوط، كما ينوع ويبدل في احجامها ويبرز قدرتها على التواصل مع تطلعات الحداثة التشكيلية، رغم انه ينطلق من جمل وعبارات كتبها بنفسه، أو استعارها من كتابات الاخرين، حيث وجدنا تحت كل لوحة معروضة له جملة تحمل دلالات شعرية نثرية أوأدبية أو فكرية أو فلسفية. وبذلك فهو يتطلع دائماً إلى بناء لوحة تلامس جوهر الحضارة العربية، وتحقق حالات التواصل والتجاوز في آن، وحين يجعل حركة الحروف الحرة تتداخل وتتجاور بألوانها المختلفة بإيقاعاتها وحساسياتها وتدرجاتها، فإنه يذهب إلى اظهار توجهه الحروفي الجمالي الخارج على النظام الهندسي، وبالتالي فكل شيء في لوحته يأتي بشكل انسيابي، قائم على حالات الاسترسال العاطفي والوجداني والجمالي.‏‏

وقد تتجاور الحروف والخطوط في إيقاعاتها المتنوعة، بين ما هو فوق المعنى من بعد جمالي وروحي، وبين ماهو استقرائي مباشر، حيث تتحول اللوحة إلى لغة تشكيلية وجمالية، تفصح عن مكنونات وخصوصيات الأبجدية العربية.‏‏

ولقد عمل صالح الهجرعلى المزاوجة بين الحروفيات المحددة اللون أحياناً والمشتقة من خلفية اللوحة، وبين الحروف المتنوعة في ألوانها وأحجامها، فأصبح عنصرا الخط واللون، يتشاركان في إبراز جمالية اللوحة في إيقاعاتها البصرية الموسيقية.‏‏

والمتأمل لتعددية الايقاعات اللونية الملطفة، والتي تتداخل مع حركات الحروف والكتابات اللامقروءة، يجد منذ اللحظة الأولى أن اهتمامه يتمحور لاظهار حركات مائلة أو تأخذ شكل الموج أحياناً، وقد تأخذ بعض إيقاعات الخطوط حركات متتابعة ومتموجة وموضوعة فوق بعضها البعض، رغم أنه يخفف من حدة هذا الاتجاه، مستفيداً من خبرته التقنية الطويلة في هذا المجال.‏‏

وهو في كل ذلك يبحث عن استقلالية أسلوبية وهوية عربية، واللوحة الحروفية تعطيه قدرة على الاستفادة أو التأويل من معطيات الفنون التجريدية الحديثة، ضمن رؤية فنية وجمالية عربية، وهذا يعني أن تجربته، تضعنا وجهاً لوجه أمام حالة من التصدي لمظاهر الاستلاب والتشويه الحروفي المقروء في أعمال العديد من الفنانين الحروفيين العرب المعاصرين.‏‏

هكذا يساهم صالح الهجرفي كشف نقاط الارتكاز والاختلاف مع اللوحة الغربية الحديثة والمعاصرة، حيث يركز في كل مرة لإظهار الجوانب التشكيلية المترابطة الأجزاء، ويسعى لاستخلاص القيم الجمالية الحديثة للحرف العربي، الذي يعتبر من أبرز عناصر حضارتنا العربية، مبتعداً عن لغة الهندسيات، ومركزاً لاظهار لغة الانسياب العاطفي، وصولاً إلى حالات إظهار مرونة بعض أنواع الحروف وقابليتها على المد والاستمداد والاستدارة.‏‏

ريم جمعة ومنحوتات الطبيعة‏‏

الصورة الفنية الفوتوغرافية التي تبحث عنها الزميلة الإعلامية والمصورة الضوئية ريم جمعة، ترتكز في أحيان كثيرة لالتقاط تشكيلات غرائبية ونادرة من عمل الطبيعة. ومن هذا المنطلق تجعل الكاميرا وسيلة تؤكد علاقة العين اللاقطة بالشكل الغرائبي، الكامن في تشكيل الطبيعة الخام أو في بنائها النقي، فالصورة الضوئية هنا تعيد الاعتبار إلى جمالية الطبيعة النقية، البعيدة كل البعد عن التلوث الصناعي المتواجد بكثرة في الأماكن المسكونة أو المأهولة. فجذوع الاشجار وأغصانها والصخور وغيرها، والتي تركز لالتقاطها في حالاتها اللافتة والنادرة، تشبه في إيقاعاتها حركة الوجوه والأشكال المختلفة الأخرى، كما أن مشاهد الطبيعة التي تلتقطها عدستها من مسافات بعيدة احياناً، لا تخرج عن هذا الإطار الغرائبي، حيث يمكننا أن نلتمس عناصر إنسانية كثيرة، من خلال تعرجات الجذوع والأغصان وتشابكها والتواءاتها، وبذلك فصورها تعيدنا إلى مايمكن تسميته بفن الأرض أو فن الطبيعة التي تبحث عنه في جولاتها وتنقلاتها، والتي تبدو منحوتة بفعل ظروف طبيعية وبيئية ومناخية.‏‏

هكذا تحمل المصورة ريم آلة التصويرالرقمية او التقليدية، وخلال جولاتها في أحضان الطبيعة، تتأمل أشكال الصخور وجذوع الأشجار وأغصانها وكل ماتقع عليه عيناها المفتونتان بكل ماهو غرائبي ولافت في الطبيعة، ثم تختار ماطاب لها من جماليات ومشاهد وتشكيلات، وما يتلاءم مع هواجسها التصويرية وتطلعاتها وحساسياتها البصرية، القادرة على التماس الشكل الكتلوي المنحوت بعوامل الطبيعة في الهواء الطلق، والذي يضفي على الصورة الضوئية قوة وحيوية وجمالية غرائبية، مشحونة بالطرافة والإثارة والانتباه، وبما يتلاءم مع تطلعات الحداثة التشكيلية في مدارسها المختلفة والمتنوعة.‏‏

ومن جهة أخرى تبحث ريم جمعة عن الزاوية المناسبة في الوقت المناسب، وهذه مسألة هامة للغاية بالنسبة لالتقاط الصورة النادرة والطريفة، لأن تحديد الزاوية المناسبة يؤكد الحضور الفني، الذي يقرب الصورة من الأشكال، التي توحي بها الجذوع أو الصخور وما إلى ذلك، كما أن تحديد الوقت المناسب يضيء الشكل المراد تصويره أو يخفف من حدة الإضاءة الطبيعية، وهذه ناحية فنية أيضاً تحتاج إلى حساسية بصرية وخبرة تقنية، في التقاط الصورة التي تؤسس للفكرة حيث تتدرج مقاربة الصورة من الواقع الشكلي التشبيهي، من مظاهرالتلميح، وصولاً إلى خطوات تحقيق درجة كبيرة من المقاربة، بين الشكل الحقيقي والمشهد الغرائبي المنحوت بعوامل الطبيعة.‏‏

facebook.com/adib.makhzoum‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية