ويجب أن ندرك بداية أن الحركة التصحيحية التي قادها القائد الخالد حافظ الأسد إنما كان هدفها تصحيح مسار سورية السياسي والانطلاق من واقع الانغلاق إلى آفاق التعاون والتضامن العربي بأرقى صوره باعتباره الأرضية الصلبة التي تجعل العرب قادرين على تقرير مصيرهم بأنفسهم وإسماع صوتهم للعالم أجمع ، وبالتالي استعادة أراضيهم المحتلة وحقوقهم المغتصبة .
وإذا جاز لنا تلخيص سياسة سورية الإقليمية والخارجية بعناوين مقتضبة لقلنا: إن هذه السياسة قامت أولاً على ضرورة تحقيق التضامن العربي كخيار قومي بديل عن الوحدة العربية ولو مرحلياً إذا تعذر تحقيق هذه الوحدة . النقطة الثانية هي العمل على استرجاع الأرض التي احتلتها «إسرائيل» بقوة العدوان والدأب لإحلال السلام العادل والشامل. النقطة الثالثة، كانت مكافحة الإرهاب بكل أشكاله وصنوفه والتفريق بينه وبين المقاومة المشروعة التي تخوضها الشعوب دفاعاً عن وجودها وحريتها واستقلالها.
لقد عملت الحركة التصحيحية من أجل وحدة الأمة ، فانخرطت في تجارب وحدوية عدة، وكان شعار القائد الخالد حافظ الأسد في ذلك أنه «لاشرط لسورية لتحقيق الوحدة إلاّ تحقيق الوحدة». واليوم نعود ونذكر بأن فشل هذه التجارب الوحدوية لم يكن بسبب سورية أبداً ، بل لأسباب خارجة عن ارادتها ورغباتها.
وإذا كان القائد الخالد حافظ الأسد حريصاً على اقامة أفضل تضامن عربي،
فذلك لإدراكه أن هذا التضامن من سلاح العرب في موطنهم لاسترجاع أرضهم وحقوقهم واقامة السلام العادل والشامل الذي تتوق إليه شعوب المنطقة والعالم.
وكي لاتختلط الأمور يجب علينا التذكير بمواقف القائد الخالد حيال السلام عندما كانت «إسرائيل» تختار طريق الحرب والعدوان. فالقائدالخالد حافظ الأسد كان يدرك أن هناك طريقين لاثالث لهما لاسترجاع الأرض والحقوق واحلال السلام، الطريق الأول يتمثل بالعمل العسكري والثاني في الجهد السياسي.
ولأن «إسرائيل» التي قامت على أمجاد نصرها في عدوان حزيران 1967 كانت تتصور أنه لن تقوم للعرب قائمة بعد ذلك العدوان، وأنهم غير قادرين على التصدي لغطرستها، فقد نسفت فكرة السلام من جذروها ، ورفضت كل المبادرات السلمية، وأعلنت اصرارها على الاستمرار في احتلال الأرض العربية.
أمام هذا الواقع لم يكن من خيار أمام سورية إلا خيار التصدي الحازم فكانت حرب تشرين التحريرية عام 1973 مع كل ماحملته من دلالات ومعان وأهداف حتى في تلك الحرب ، وفي اليوم الأول منها، أعلن القائد الخالد حافظ الأسد أننا نخوض هذه الحرب ليس لأننا نحب الحرب، وإنما لأننا عشاق سلام وكي ينعم شعبنا بهذا السلام.
وعندما تغيرت الظروف والمعطيات كانت سورية قادرة على قراءة هذه المتغيرات بوعي مكنها من التعامل معها دون أن تحيد عن الهدف الجوهري: السلام.
إننا ونحن نستعيد مواقف سورية السياسية، لابدّ لنا من التوقف عند موقف سوري لافت ربما يحاول الآخرون تجاهله وهو الموقف من الإرهاب بالعالم اليوم يعاني من الإرهاب والتطرف على أكثر من صعيد وفي كثير من الأماكن ، بل حتى يكاد العالم أجمع يعاني من هذا الإرهاب.
وسورية نفسها كانت وماتزال عرضة لأبشع أنواع الإرهاب الذي استهدف أبناءها وخيرة علمائها ومفكريها ومؤسساتها ، بل استهدف الوحدة الوطنية فيها.
وسورية اليوم كما في الماضي تتعامل مع الإرهاب بحزم وتصميم دفاعاً عن شعبها وعن وجودها وعندما كان الإرهابيون يعيثون فساداً وتخريباً في جسد سورية كان العالم يراقب عن بعد ومن دون اكتراث، ربما لأنه لم يكن يتوقع أن تتسع ظاهرة الإرهاب لتضرب ذات اليمين وذات الشمال.
وكانت سورية أول دولة في العالم التي تدعو في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي إلى عقد مؤتمر دولي لتعريف الإرهاب والتمييز بينه وبين المقاومة الوطنية المشروعة التي تخوضها الشعوب المحتلة أرضها والمغتصبة حدودها
كانت تلك الدعوة الأولى على مستوى العالم، وكانت الأولى أيضاً التي تجاهلها صناع السياسة الدولية ، ولو أن مثل هذا المؤتمر عقد في حينه، فربما ماكانت ظاهرة الإرهاب تتفشى في العالم على مانشهده اليوم.
لقد كانت سورية تدرك في وقت مبكر خطر ظاهرة الإرهاب ، وكانت تدعو إلى مكافحة مبكرة لهذه الظاهرة الخطيرة التي تهدد أمن وسلام العالم.. لكن أجراس الخطر التي قرعتها سورية لم تصل إلى آذان أصحاب القرار والحل والربط ، وهاهو العالم يعاني من إرهاب منظم يقض مضاجع الجميع.
هذه هي العناوين الثلاثة الرئيسية للسياسة السورية خلال العقود الأربعة الماضية ، ونعتقد أنها عناوين كفيلة بتعريف العالم بصحة وصوابية المواقف السورية المستندة إلى الشرعية الدولية والمبادىء الإنسانية السامية .
وإذا كنا نستعيد هذه المواقف المشرفة ، فلابد من أن نذكر بكل الفخر والاعتزاز قائد سورية القائد الخالد حافظ الأسد الذي وقف وقفة الرجال الشجعان مدافعاً عن وطنه وقضاياه العادلة وتؤكد في الوقت نفسه أن الالتفاف الشعبي حول ذلك القائد الذي غيّر تاريخ سورية لايزال كما هو حول قائدنا الرئيس بشار الأسد لمواصلة المشوار من أجل استعادة الأمن والاستقرار ومن أجل الخير والازدهار لسورية ولشعبها وللمنطقة أجمع.