ومن اللافت في تلك المرحلة التي نهضت فيها حركة التصحيح حاجة الناس في سورية إلى مجموعة كبيرة من الاستحقاقات التي كان على حركة التصحيح أن تقدمها بدءاً من رغيف الخبز وحاجات الناس اليومية, إلى تحرير الأرض وإلى حرية الفكر والإعلام والأحزاب والناس, فنكسة حزيران كانت الحدث الأكثر قسوة على مشاعر الجماهير التي أصابتها بهزيمة حادة اخترقت روحها وكان ذلك يتطلب علاجاً سريعاً لم تكن القيادة قبل التصحيح تتجه إليه, ومن الأهداف التي كانت الجماهير تحلم بها وبتحقيقها عودة الحزب إلى جماهيره لأن الحزب لم يكن دخيلاً على الحياة السياسية في سورية وإنما كان نتيجة مخاض طويل عاشته الجماهير وهي تبني نظرية الحزب النضالية, فالفجوة بين الحزب والجماهير كانت تعني خنق هذه الجماهير وعزلها عن محيطها الحقيقي, فقد كانت القيادة الحزبية السابقة تمتلك عقلية متسلطة ومناورة أبعدت الحزب عن جماهيره وعزلت سورية عربياً ودولياً بتصنيفات وسلوكيات وممارسات بدت كمراهقة سياسية مملوءة بالمزادات على حساب الوطن ومستقبله. كانت لدى الجماهير في سورية رغبة كبيرة في الخلاص من تلك العقلية التي أظهرت الحزب على غير ما كانت الجماهير تعتقده وتعرفه فيه, وهذا ما جعل السوريين عامة قبل التصحيح في حالة من الغضب المحقون وفي وضع نفسي سيء ويائس,
كان القائد الخالد يمتلك رؤية للديمقراطية تنطلق من خصوصية الوطن فالديمقراطية نتاج نضال تحققه الجماهير وطريق تختاره لتسلكه, يقول الرئيس الأسد: «إن صيغة الديمقراطية ليست سلعة تستورد من هذا البلد أو ذاك وإنما هي الإطار الذي يمارس فيه المواطنون حقوقهم وواجباتهم وفق ظروفهم المرحلية, ولكي يمارس شعب من الشعوب الحياة الديمقراطية لا بد من تحقيق توازن دقيق جداً بين الصيغة, أعني الهيكلية والقوانين وبين محصلة المعطيات الثقافية والتراثية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يتمتع بها هذا الشعب» إن رؤية الرئيس الأسد كانت تنطلق من اقتناع حقيقي بالشعب وبمحصلة معطياته الثقافية, وهذا ما كان السوريون يحتاجون إليه وهو ما يؤمنون به الآن وفي أي وقت, وأكثر ما كان يؤرق الرئيس الأسد الاحتلال الإسرائيلي للجولان وللأراضي العربية الأخرى في مصر والضفة وغزة, فكان يرى أن الديمقراطية هي الطريق الصحيح لتحرير الأرض وتفجير طاقات الأمة لبناء قوة حقيقية اقتصادياً وعسكرياً وثقافياً قادرة على المواجهة والبناء والتحرير, ورأى أن التضامن العربي قادر على إنجاز مهام البناء والتحرير وجعل الأمة قوية وفاعلة وفي موقع الاحترام, ولهذا كانت حرب تشرين التحريرية نتاج فعل لهذا التضامن الذي أنجزه الرئيس حافظ الأسد.
وكان القائد حافظ الأسد يؤكد على تلازم الحرية والقوة فيقول: «إننا أحرار بقدر ما نملك من قوة, وأقوياء بمقدار ما نملك من حرية» ويتابع: (لكي نخوض المعركة بمجموع الشعب يجب أن نوفر للشعب مناخ الحرية). لم تكن حركة التصحيح حركة انقلابية تهدف إلى الاستيلاء على السلطة. وإنما كانت ثورة متكاملة, ثورة اجتماعية وسياسية وعسكرية واقتصادية وفكرية ونضالية تؤطرها الديمقراطية ليقوم الوطن كله في صناعة تاريخ جديد, بعد رحيل الرئيس حافظ الأسد, أمسك الرئيس بشار الأسد بمبادئ التصحيح, وعمل على تطويرها انطلاقاً من الحاجة الكبرى والملحة لهذا التطوير, فالعالم أصبح أمام متغيرات كبيرة وجذرية, ومن بينها ظهور القطب الواحد (أمريكا) وسقوط منظومة الدول الاشتراكية, وتهدم حركات التحرر الوطني في بلدان كثيرة, وترهل أغلب الأحزاب القومية واليسارية التي كان لها تأثيرها في كثير من دول العالم والتي كانت تشكل قوة على المستوى الدولي, وهكذا تحركت دمشق عبر رؤية تطويرية إلى الإمساك بناصية العمل القومي, وفي تطوير وإصلاح الواقع الداخلي اقتصادياً وسياسياً, وفي إطلاق مسيرة التطوير والتحديث في المجالات كافة, ووقفت سورية بقيادته في مواجهة الحلف الصهيوني الأمريكي الذي ازداد شراسة بعد أحداث أيلول, وبعد الحرب على العراق, وبروز فكرة مشروع الشرق الأوسط الكبير وقد نجحت سورية في إفشال هذا المشروع وفي تحجيم الأحلام الإسرائيلية الأمريكية.
وهاهي سورية اليوم دولة محورية مهمة, لم تستطع شراسة المتآمرين عليها أمريكا وإسرائيل وقوى إقليمية من تحجيم دورها وفاعليتها, وحققت خطوات مهمة في مجال البناء الاقتصادي والسياسي والإعلامي, وفي بناء علاقات مع المقاومة العربية ودعمها في لبنان وفلسطين والعراق وفي كل مكان, لأن إيمان سورية بأن المقاومة هي طريق الكرامة والعزة وأن العروبة هي الإطار الحقيقي لهذه الأمة النابضة بمجد التاريخ وحيويته.
سورية اليوم تواجه أشرس عدوان عرفته في تاريخها.. لأنها ظلت متمسكة بثوابت التصحيح.. فسورية ستنتصر.. بفضل روح التصحيح.. وتماسك شعبنا.. وبسالة جيشنا.. وبفضل شجاعة ورؤية الرئيس بشار الأسد.