وطالما غضب كثير من المخرجين من أي محاولة لقراءة لا تحمل المديح لنصوصهم واعتبروها باطلة.. وكلام جرائد لا يمت للموضوعية أو البحثية بصلة.
لم يغير قرار إنشاء قسم النقد والدراسات المسرحية في المعهد العالي للفنون المسرحية (بداية الثمانينات) من واقع النقد الحقيقي شيئاً. والتي كان الهدف من هذا القرار (امتلاك خريجي هذا القسم لآليات منهجية تجعلهم يمارسون فعلاً بناء في سياق إنشاء المعمل المسرحي أو الورشة المسرحية) بمعنى إيجاد الثغرات التي تختلج هذا النشاط الفني.
لكن تجربة هؤلاء الخريجين بعد هذه السنوات الطويلة باءت بالفشل نظراً لآلية التدريس التي تفتقر إلى الاختصاص التي ستجعل من أي نشاط يمارسه الخريج بعد تخرجه لازماً ومرتبطاًَ بما درسه.
وأيضاً غياب الرؤية النقدية والثقافية المسرحية الحقيقية وهذه الحالة موجودة في معظم معاهد العالم العربي.
يختصر خريجو قسم النقد في سورية بعدم وجود أي ارتباط لهم بموضوع دراستهم الأولى ولا يقيمون علاقة صحيحة معه، ويتجهون بدلاً من ذلك صوب مجالات العمل الصحفي الاستهلاكي (التلفزيون) وقليلون هم من بقوا على ارتباط بموضوع عملهم الأساسي، والتفت الكثيرون لتأمين تكسب حياتي بما يسمح لهم الاستمرار في عملية الاشتغال في النقد وغالباً ما يأتي ركيكاً وسطحياً ومتسرعاً،
بانسحاب شبه كلي للفعالية النقدية المأمولة للمساهمة في بناء العقل المسرحي، تحول الناقد الدارس (الخريج) إلى (الناقد الصحفي) الذي لم يلبث أن تحول إلى ناقد تلفزيوني بظل نجاح الدراما السورية، التي انعكست سلباً على المسرح بشكل عام.
تحول الناقد الدارس المختص إلى ناقد فني!! يتابع العرض المسرحي برؤية مسبقة لتاريخ المخرج وشهرته وعلاقاته، ليرسم الناقد هذا رأيه بناء على انطباعات شخصية وبعدها.. ما بقي من ذاكرته مما درس وحفظ ليطبق.. نقده الهزيل على النص مدحاً وتصفيفاً وتهليلاً وتبشيراً.
يداعب هذا الناقد خواطر المخرجين ويداريهم ويتقي شرهم، في جو فني تسوده الشللية والعلاقات الشخصية والمصالح.
الحجة الدامغة عند هؤلاء (النقاد) أن الكتابة الصحفية لا تحتاج إلي تعمق وقراءة علمية بحثية لنص، فجمهور هذه الصحف، قليلو الثقافة أو أنهم يعافون هذا النوع من النقد الأكاديمي.
والحقيقة أن (الناقد) هذا لا يريد ولا يرغب بتثقيف ذاته وتبقى علاقاته الشخصية مع المخرج أو الكاتب والممثل بالتأكيد أهم بكثير عنده.. من رفع سويته الثقافية، ودفع القارئ لملاحقة العروض، بما يحمله قلمه من إبداع مزود بعناصر قراءة فنية سلسة مع اعترافنا بصعوبة هذا النوع من النقد، لكن البحث واحترام الجمهور والنص، كلها أمور تشفع لهذا الناقد بالتعب والجهد.
المقالات النقدية المسرحية لم تتجاوز في أغلبها حدود التعليق والوصف والتعريف بالنص والعرض والمخرج والممثلين، مع العمل على إخفاء المساوئ مع مخرج صديق.. لكسب جمهور.
ورغم مرور زمن طويل على المسرح في سورية، يبقى النقد مع وجود قسم مختص للنقد يتشابه لحد كبير مع بدائية محاولات لنقاد واكبوا المسرح السوري.
النقد المسرحي حاجة إعلامية وحاجة مسرحية، والناقد كما يقول عبد الله أبو هيف.. صاحب مرفة فنية ووعي ثقافي يتيحان له الرؤية الفنية، والموقف الفكري السليم إزاء المسرح في بيئته، إنه رجل مسرح لا يغلب الفكرة على الفن بل يجمع بحذق ومهارة وذكاء وإحساس وعلم بين محبة المسرح، ووعيه الفني والتاريخي.