الرئاسية القادمة في الولايات المتحدة الأميركية, ويمكن النظر إلى هذه المسألة من عدة زوايا بما فيها أمن وحياة الناس من العسكريين الأجانب والعراقيين (بلغت الخسائر البشرية للقوات الأميركية في العراق أكثر من ثلاثة آلاف قتيل, إضافة إلى مئات القتلى من الجنود البريطانيين ومثلهم من ممثلي البلدان الأخرى المشاركة في التحالف). ومهما أمعنا النظر في هذه القضية فلا بد أن نتوصل إلى الاستنتاج التالي: لا تستطيع القوات الأميركية والأجنبية أن تبقى في العراق إلى مالا نهاية, ولايستطيع أحد حتى الآن أن يتكهن بموعد انسحابها وكيفية انسحابها,(رغم أن الحزب الديمقراطي وتقرير بيكر- هاملتون حدد عام 2008 موعداً للانسحاب وفق جدول محدد).
وأود أن أشير إلى وجود مشكلتين: تتعلق الأولى بالاتهامات الموجهة إلى إدارة بوش بخصوص شن الحرب على العراق استناداً إلى معلومات غير مؤكدة بل وغير صحيحة, وتتميز مسألة أسباب ودوافع شن الحرب على العراق بأهمية كبيرة, وخاصة في الجدال السياسي الدائر في واشنطن وعواصم حلفاء الولايات المتحدة الأميركية, والمشكلة الثانية تتعلق بسحب القوات ومما لا شك فيه أن حكومات البلدان التي انضمت إلى التحالف الذي شكلته الولايات المتحدة في عام 2003 لشن الحرب على العراق كانت تتوقع الحصول من واشنطن على فوائد سياسية, أو مساهمة شركات تلك البلدان في مشاريع إعادة بناء الاقتصاد العراقي, وقد مرت فترة طويلة نسبياً وما زالت آفاق استقرار الوضع في العراق ضبابية, وقد تغيرت بعض حكومات البلدان التي انضمت إلى التحالف لعدة أسباب, بما فيها سبب الانتقادات التي تتلقاها على إرسال جنودها إلى العراق وينخفض عدد أفراد القوات الأجنبية في العراق باستمرار حيث غادر الأراضي العراقية ممثلو (10) بلدان وكانت تعتزم ثلاثة بلدان أخرى هي بولندا وأوكرانيا وبلغاريا سحب قواتها من العراق في أواخر العام المنصرم ,2006 صحيح أن هذا الانسحاب لن يؤثر على الوضع الأمني في العراق لأن العسكريين الأميركان والبريطانيين يشكلون أساس القوات الأجنبية في هذا البلد, لكن وجود قوات التحالف من بلدان مختلفة مهم بالنسبة للأميركيين والبريطانيين لأنه يجعل التواجد العسكري الأجنبي في العراق يبدو وكأنه عملية دولية واسعة, ولهذا بالذات يمثل انسحاب الحلفاء من العراق ضربة معنوية للإدارة الأميركية وخاصة في هذا الوقت غير المناسب لها, ( أي بعد الانتخابات النصفية للكونغرس وهزيمة حزب بوش والمحافظين الجدد). وتشير نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته العديد من المؤسسات مثل معهد (غالوب) وقناة( CNN) (سي. ان .ان) وصحيفة (الولايات المتحدة اليوم) الأميركية أن نحو 68 % ممن استطلعت آراؤهم يعتقدون أنه كان ينبغي على الولايات المتحدة أن لا تقدم على شن الحرب على العراق ووصف نحو 60% من المشاركين في الاستطلاع إرسال الجنود الأميركيين إلى العراق بأنه (خطأ) وتشير استطلاعات أجرتها وسائل إعلام أخرى أن نسبة تأييد الرأي العام الأميركي للحرب في العراق تتراجع أسرع بكثير مما كان عليه الوضع في أثناء الحربين اللتين خاضتهما أميركا في كوريا وفيتنام, ومازالت تناقش الأوساط السياسية والإعلامية بنشاط مسألة سحب القوات الأميركية من العراق ووضع جدول زمني محدد للانسحاب, والسؤال: هل سيقدم الرئيس بوش في استراتيجيته الجديدة حول العراق جدولاً زمنياً للانسحاب أم سيرسل المزيد من القوات كما صرح مؤخراً?.
من الجدير بالذكر أن المعارضة العراقية طالبت منذ فترة طويلة وتطالب الآن بوضع جدول زمني لسحب القوات الأجنبية من أراضي العراق, ويتفق مع هذا الرأي دبلوماسيون من عدد من البلدان العربية وكذلك روسيا حيث يتوقعون أن وضع الجدول المذكور سيتيح لجزء من المقاومة المسلحة الجلوس إلى طاولة المفاوضات, والمعضلة أن الولايات المتحدة وحلفاءها في العراق يتحدثون عن استحالة وضع جدول زمني لسحب القوات الأجنبية ما دام الاستقرار فيه بعيد المنال, ولكن المعارضة الشعبية العراقية والمقاومة تقولان إن الاستقرار لن يتحقق ما دامت القوات الأجنبية المحتلة موجودة في العراق ونعيد إلى الأذهان أن روسيا عارضت الحرب على العراق منذ البداية, ودعت إلى وضع جدول زمني لسحب القوات الأجنبية من هذا البلد, ونذكر بأن الدول المشاركة في قوات التحالف قد تتعرض لأعمال عنف في بلدانها كما حدث في مدريد, وأدى إلى اتخاذ اسبانيا قرارها الخاص بسحب قواتها من العراق بعد هذه الأعمال الإرهابية المأساوية, على كل حال فإن انسحاب القوات الأجنبية من العراق لابد منه, وثمة شكوك في طبيعة الأعمال الإرهابية التي تجري في العراق, لأن هذه الأعمال تعطي الذريعة للقوات الأجنبية تحت قيادة الولايات المتحدة على البقاء في هذا البلد لأطول فترة ممكنة قد تمتد عشرات السنين, وهناك سؤال مهم يطرح نفسه بقوة في هذا المجال: هل ستسترشد الولايات المتحدة وحلفاؤها في مسألة الانسحاب من العراق بالوضع الحقيقي في هذا البلد أم بمشاكلها السياسية الداخلية?.