من التخبط في الوحل اطلقوا عليه رياضة السباحة في الوحل, حقيقة تقاربت تلك الصور في مخيلتي مع ما يفعله الفريق الحاكم في الولايات المتحدة الأميركية بالسياسة.
خاصة فيما يتعلق بأساليب تنفيذ سياسته الخارجية والمناهج التي تتبعها هذه الإدارة في معالجة المشكلات الدولية انطلاقاً من كونها تمثل الدولة العظمى في العالم, وربما كان طاقم إدارة الرئيس بوش من هواة هذا النوع من الرياضة..!!
ومنذ تسلم المحافظين الجدد زمام السلطة بعد الفوز المريب للرئيس جورج بوش في الانتخابات الأميركية للمرحلة الأولى, وهي تضع السياسات الفاشلة ابتداء من مشروع محاربة الارهاب والقيام بالحروب الاستباقية التي وصلت ضحاياها من الأميركيين أنفسهم أضعافاً مضاعفة لما يمكن أن تنفذه مجموعات ارهابية صغيرة هي في الغالب معروفة من الأميركان وبعضها مدعوم مباشرة منهم, وصولاً إلى تحقيق أهداف استعمارية جديدة من خلال ما اطلقوا عليه نشر الديمقراطية عن طريق (الفوضى الخلاقة) بعد أن كانت شعوب العالم قد دفعت من جهدها ووقتها الكثير من أجل القضاء على كل أشكال الفوضى خاصة في الدول النامية التي تعاني أساساً من انقسامات مذهبية وقومية وعشائرية وغيرها مما خلفها الاستعمار القديم.
الآن وبعد أكثر من خمسة أعوام على السير في تنفيذ الأجندة التي رسمتها لنفسها إدارة الرئيس بوش وما وصلت إليه من نتائج كارثية بكل تأكيد على الشعب الأميركي وعلى الدول التي طالتها هذه الأجندة, السؤال الذي يفرض نفسه على هذه الإدارة: هل أصبح العالم أكثر أمناً, وهل أصبحت المصلحة والسمعة الأميركية أكثر قبولاً عند الآخرين?? وهل استطاعت الإدارة الأميركية تقديم يد المساعدة لمشروع العولمة الاقتصادية الذي صورته الولايات المتحدة الأميركية وشركاؤها في العالم المتقدم على أنه مشروع الخلاص من الفقر والتخلف لجميع دول العالم, وإن اهدافه نبيلة من أجل تحقيق عدالة اقتصادية بين دول العالم??
والسؤال الأهم من جملة الاسئلة هذه هو: هل ستشهد الأيام القادمة تحولاً حقيقياً وتغييراً جوهرياً في السياسة الأميركية بعد سيطرة الحزب الديمقراطي على مجلسي الشيوخ والنواب, وفي ضوء الانتقادات الكثيرة التي وجهت للسياسة الخارجية للإدارة الأميركية خاصة في العراق??
قد يكون من الصعب التنبؤ عن مستقبل جميل يحمل كثيراً من التفاؤل في إحداث تغيرات جوهرية في السياسة الخارجية الأميركية, على الرغم من التغيير الذي تناول الأشخاص المشرفين على العملية الدبلوماسية والعسكرية في العراق, لكنه يبقى في حدود تغيير اللاعبين دون المساس بالخطط والآليات التي تستخدم على الأرض.
وهذا يقودنا إلى امكانية وضع بعض الخطوط العامة للمرحلة القادمة بأنها ستكون أكثر ضبابية, وأشد إيلاماً, وكما هو معروف عن الرئيس الأميركي جورج بوش أنه لا يمكن أن يتخلى عن رؤيته المرتبطة بالأجندة الصهيونية مهما حاول موقع التشريع الديمقراطي تطبيق الحصار على الرئيس من خلال قوانين أو تشريعات جديدة في هذا الخصوص, كأن يرفض مجلس النواب الموافقة على ميزانية إضافية لتغطية نفقات الجيش المتواجد في العراق.
كما أشارت السيدة (نانسي بيلوسي) رئيسة مجلس النواب الأميركي التي طلبت ايضاحات حول ضرورة تواجد القوات الأميركية في العراق وما هي الخدمة التي تقدمها للمصلحة الأميركية? لكن الدستور الأميركي في نهاية الأمر يعطي للرئيس حق الفصل في أي أمر تحتاجه السلطة التنفيذية, لأن الرئيس يتمتع بسيادة القرار, لكن في كل الأحوال لن يستطيع الرئيس الأميركي تجاهل مجلسي الشيوخ والنواب في القرارات الكبرى إلى ما لانهاية وهذا يعطي مؤشراً إلى أنه يمكن أن يخبىء المستقبل القريب بعض المفاجئات التي لم تكن في الحسبان.
ولا ننسى أخيراً أن أحد أهم أهداف الحرب على العراق, شق الصف الوطني العراقي وتغذية النزاعات المحلية سواء المذهبية أو القومية والعشائرية, والعودة بدولة من أهم دول المنطقة إلى مرحلة الصراعات الداخلية والحرب الأهلية التي يصعب السيطرة عليها في ظل وجود قوات احتلال تسعى بكل امكانياتها لتقوية هذه الصراعات وتأجيجها, لكن قد يتجاهل المخطط الأميركي أن استمرار الوضع على هذه الشاكلة سيحقق المثل الشعبي الذي يقول الشعرة التي قصمت ظهر البعير, أي أن هذا الوضع سيكون بمثابة الشرارة التي ستلهب ظهر أميركا كما حصل في فيتنام.