تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


البطة العرجاء وسياسة القرد الممسوخ

منوعات
الاحد 14/1/2007
الدكتور أيمن سوسان

بترقب بالغ, وبخليط من مشاعر الأمل والقلق انتظر العالم خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش الذي أعلن فيه النهج الجديد لإدارته في العراق, كان الأمل معقوداً على إحداث تغيير جذري في هذه السياسة بعد الفشل الذريع والنتائج الكارثية التي أدت إليها,

وما لقيته من نقد ومعارضة شديدين على الصعيدين الدولي وداخل الولايات المتحدة بل ومن داخل الحزب الجمهوري الحاكم نفسه, توقع الكثيرون أن يأخذ الرئيس الأميركي بعين الاعتبار بعض ما ورد في تقرير لجنة بيكر-هاملتون, والأهم من هذا وذاك أن يصغي إلى الناخب الأميركي الذي عبر بشكل واضح عن المعارضة لسياسة البيت الأبيض في العراق.‏

تعزز الأمل بإمكانية التغيير بعد إبعاد بعض الوجوه المقززة من عتاة المحافظين الجدد ودعاة الحرب في الإدارة من أمثال رامسفيلد وبولتون, ولكن للأسف تبين بعد ذلك أن التغيير المنشود قد اقتصر على إضفاء بعض اللمسات التجميلية دون النفاذ إلى العمق والمتمثل بالعقيدة والفكر السياسي الذي يوجه السياسة الأميركية الحالية والذي كان السبب في الإخفاقات المتتالية التي أصابتها, أي الاكتفاء بإدخال إصلاحات تكتيكية دون المساس بالاستراتيجية ذاتها, لقد خاب الأمل بالتغيير وترك المكان واسعاً لمشاعر القلق من النتائج والأحداث المقبلة والتي لن تكون أقل مأساوية مما شهدناه حتى الآن.‏

لا تزال هذه الإدارة تصر على أن منطق القوة والعصا الغليظة هو الأسلوب الوحيد لمعالجة الوضع المتدهور في العراق, والخروج من هذا المستنقع بأقل الخسائر وحفظ ماء الوجه, علماً أن هذا المنطق لم يثبت فقط فشله بل كان السبب وراء حالة التردي والفلتان الأمني في العراق ومنعكساته على حياة المواطنين في هذا البلد العربي الشقيق.‏

لقد صم الرئيس الأميركي أذنيه أمام كل الانتقادات التي وجهت لأداء إدارته في العراق, وفعل تماماً عكس ما نصحه به الآخرون, ضارباً عرض الحائط بما أسفرت عنه الانتخابات الأخيرة من إدانة قاسية لسياسته في العراق والمنطقة.‏

لقد رأينا الرئيس بوش يحذر من الفشل في العراق في حين أن مؤشراته أصبحت أمراً واقعاً, وشهدنا نتيجة استراتيجية النصر التي أطلقها عام 2005 والتي حملت معها الفوضى والدمار والقتل الجماعي للعراقيين إضافة إلى الخسائر الفادحة في صفوف القوات الأميركية, أما دول المنطقة التي زعم الرئيس الأميركي أنه يريد أن يحميها من مخاطر الفشل فهي في الحقيقة بحاجة إلى الحماية من طيش سياساته في المقام الأول, وعوضاً عن اعتماد الحوار والتعاون مع الدول التي يمكن أن تساعد في إخراج العراق من المنزلق الذي وصل إليه, رأينا الرئيس بوش يطلق مجدداً حملات التهديد والوعيد كما درج على عادته للتهرب من مسؤولية الفشل وتحميلها للآخرين.‏

إن غطرسة القوة التي تحكم عقلية وفكر وأداء هذه الإدارة هو عناد وأوهام وآخر حلقة في المغامرة الطائشة التي بدأت بغزو العراق وجعلت الشرق الأوسط يعيش في ظل كابوس التوترات والحروب والصراعات والفتن.‏

لقد أضاع الرئيس الأميركي الفرصة مرة أخرى وربما أخيرة للخروج من الوضع المزري الذي وصلت إليه سياسته في العراق باعتماده الحل العسكري وعدم الاعتراف بالحل السياسي, وهذه الاستراتيجية في أحسن الأحوال ربما أرادها كضربة (بوكر) يأمل من خلالها الخروج من الزاوية التي حشر نفسه فيها قبل الاذعان لخيارات أخرى ومنها الهروب من العراق, وبالتأكيد لن يحصل منها سوى خسارة ما تبقى لدى إدارته من رصيد.‏

لقد كان من الواجب على الإدارة الأميركية العمل على إعادة النظر بالعقيدة التي تحكمها, وإجراء مراجعة شاملة وتعديل لسياساتها للوصول إلى حلول ومخارج مقبولة ولا سيما أنه لم يبق أمامها سوى عامين في السلطة, وعدم توريث وزر هذه السياسات للإدارة المقبلة جمهورية كانت أم ديمقراطية لأنها بالتأكيد لن تقبل بتحمل هذه المسؤولية وستلجأ إلى شبه محاكمة للإدارة الحالية التي جرت الويلات على العالم بما فيها الولايات المتحدة جراء السياسات الخرقاء التي اتبعتها, ونهج الغطرسة والتفرد الذي اعتمدته, والذي برهن على أن العالم لا يستطيع أن يقف على قدم واحدة من دون أن يفقد توازنه, ولابد من الحوار ومشاركة الآخرين في إدارة شؤون العالم والبحث عن حلول لمشكلاته.‏

لقد وصف البعض الإدارة الأميركية بعد التحول الانتخابي الأخير وفقدانها الأغلبية في مجلسي الشيوخ والنواب بالبطة العرجاء, ولكن رد هذه الإدارة عليها بعد إعلانها عن استراتيجيتها الجديدة في العراق أنه أكثر من القرد ما مسخ الله, ومن العار والخطير أن يتحكم بسياسة دولة عظمى مثل هذا التفكير البعيد كل البعد عن أي منطق عقلاني وحكيم, بل هو منطق المتهورين المتغطرسين, والذي لن ينتج عنه إلا المزيد من التوترات في المنطقة والخسائر للجميع بما فيهم الولايات المتحدة نفسها, وستعيد إلى ذاكرة الأميركيين مجدداً قصة فشل سبق أن عاشوها في فيتنام, وتبدو ملامحها واضحة في العراق والشرق الأوسط على السواء, لأن الوصفة الجديدة جربت وفشلت ولن يكون حظها من النجاح أوفر مما سبقها.‏

إن الحلول لن تنفذ إذا لم تتوفر الإرادة الطيبة والجدية اللازمة والمنطق السليم لدى سادة البيت الأبيض, ويكون ذلك بالمساعدة على حل مشكلات المنطقة برؤية موضوعية وعادلة ومن منطق المسؤولية التي تترتب على واشنطن كقوة عظمى في تحقيق الأمن والاستقرار الدوليين الذي يضمن مصالح الجميع وفي مقدمتهم الولايات المتحدة, وقد تكون هذه الحلول متأخرة بعد ما شهدناه من مآسٍ وقتل وتدمير, ولكن أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً.‏

ش‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية