تعرضت لأغرب حادثة خطف وعبور الى أراضي دولة مجاورة - خلسة- عن طريق النهر بالقرب من تلكلخ, ليبدأ خاطفها الذي تقول تفاصيل الحكاية بأنه على علاقة مستترة بشبكة دعارة خارجية تتاجر بالرقيق الأبيض, يبدأ بعقد صفقاته الرخيصة مع مروجي هذه التجارة, بعد استباحة ضحاياه عنوة, ومن ثم طرح أجسادهن الغضة البريئة للمداولة في بورصة أسواق النخاسة عبر الحدود..
في تلك القضية, لا يستقيم القول بأن هذه الفتاة هي أولى ضحايا هذا السمسار المحترف, فهي تبدو واحدة من بين عديدات كان المجرم يصطفيهن من أضعف خلقه وأصغرهن سناً, ليسهل عليه فيما بعد قيادتهن وترويضهن بالجلد حيناً,والتهديد بسكين في أحايين أخرى قبل أن يمتلك ناصيتهن ويخضعهن لرغبات ونزوات ممارسي ومروجي الدعارة بواسطة امرأة كانت تحقنهن باستمرار بالمخدرات..
ضحية هذه الحادثة, روت لنا بالتفصيل كيف ذاقت على يدي خاطفها الويلات وتجرعت منه -(طيلة مدة خطفها التي تجاوزت أسبوعين)الذل والهوان.. ولما كتب لها أن تعود الى أحضان أهلها في سورية الذين تلقوها ذاهلين مندهشين, أسعفوها الى المشفى وهي بأسوأ حال, شحوب, وإعياء شديد, وإقياء مستمر, وانهيار كامل, وهلوسة, وهستيريا, ما جعل الطبيب يخضعها الى خطة علاجية صارمة طوال أسبوع, وهي مقيدة ضمن الأربطة في سريرها, لأنها باتت تشكل خطراً على نفسها, وعلى من حولها..
- ماذاحدث مع هذه المنكوبة التعيسة.. وكيف وصلت الى هذا الحال? لنبدأ الحكاية من أولها:
هائمة على وجهها..
تقول والدتها: بعد فشل خطوبتها لعدة مرات, أصيبت بعقدة نفسية وكنت أطوف بها على بعض العيادات لأطباء مشهورين في دمشق, وبعد أن وصفوا لها العلاج اللازم, عدت بها الى طرطوس, وأثناء زيارة لمنزل عمها, خرجت لشراء بعض الحاجيات من المحل المجاور, وخرجت وراءها مباشرة, ولم أجدها, وأكد صاحب المحل أنها اشترت مستلزماتها وانصرفت, فاعتقدت أنها ذهبت لزيارة بعض صديقاتها وسألتهن جميعاً عنها, ولم أجدها عند واحدة منهن..في تلك الأثناء, اتصلت بي شقيقتها وأخبرتني أنه قد اتصل بالمنزل شخص قدم نفسه باسم (طوني الياس)- من اللاذقية, وأخبرها أنه قد عثر على ابنتي وهي هائمة على وجهها مصادفة وقال : إنه سوف يرسلها إلينا بشركة الأمل على هوية زوجته (ربا حنا) عند الساعة العاشرة والنصف مساءً..
وتتابع القول:انتظرناها حتى الثانية عشرة, ولم يأت الباص وسألنا مكتب الأمل عن اسم (ربا حنا) فأخبرنا أنه لا رحلة ولافتاة بهذا الاسم مطلقاً.. فاتصلت به على الرقم الذي أعطتني إياه ابنتي وأكد لي أنه قد سفرها بعد أن أعطاها مبلغ (1000)ل.س فشكرته على إنسانيته, و وعدته باخلائه من المسؤولية لو يعلمنا على أي باص سافرت.. فأقفل الموبايل ولم يرد اشتكينا لقائد الشرطة, وتحادث أحدهم معه فأخبره أنه زميل له في الأمن السياسي, وطلب منا القدوم الى اللاذقية لاستلام الفتاة.. فذهبنا إليه واتصلنا به فطلب منا القدوم الى صلنفة حيث ينتظرنا هناك وأقفل الموبايل وبعد أن كررنا الاتصال رد علينا وقال: أين أنتم .. أنا آتي إليكم بسيارة مرسيدس عسكرية فقط انتظروني في الكراج وانتظرناه لساعتين دون أن يأتي, وحاولنا الاتصال به مجدداً..فأقفل الموبايل من جديد, وعدنا الى طرطوس, وحاولنا الاتصال به مجدداً, فرد علينا قائلاً: إن البنت قد تزوجها ابن خالته (محمد علي) وأن اسمه الحقيقي هو (حسن العلي) ويتابع خال الفتاة القول:عندئذ أخبرناه أنه لا مشكلة, فقط لو يسمح للفتاة بالعودة إلينا, وسوف نقيم لهما عرساً, ونزوجها شرعاً على سنة الله ورسوله, لأننا عائلة محترمة, ولا نريد فضائح فقال: سوف أسأل ابن خالتي عن الموعد الذي يستطيع فيه ملاقاتكم وأخبركم.... ثم أقفل الموبايل ولم يعد يرد.. وبعد تكرار محاولات الاتصال رد على خال الفتاة الثاني وصارحه أنه هو من تزوج بالبنت حقيقة لأنه يحبها منذ ستة أشهر, وأكد له أنه لم يطمع أبداً بمصاغها الوفير وبأنه سوف يرسله إليهم- بالقدموس- لأنه قد اشترى لها عوضاً عنه (كيلو ذهب)..
شقيقة الفتاة أكدت من جهتها, أنها قد تمكنت من التكلم مع أختها بعد اتصالات عديدة كان يشاغلهم بها خاطفها كسباً للوقت حتى لا يقدموا ادعاء ضده ريثما يعبر بشقيقتها الحدود, وقالت: لقد أخبرتني -باكية-أنها قد تزوجت منه وهي تطلب منهم السماح لأنها تخاف كما أعلمتني أنه -يضربها- وعندئذ قطع الاتصال.
وفي محادثة أخرى, أجبرها على مايبدو على قول أنها بحالة جيدة, رغم أن صوتها كان متعباً, وقد بدا عليها الإعياء وفي اتصال أخير, أخبر خاطف الفتاة ذويها أنها مريضة وقد أدخلها الى مشفى الهلال باللاذقية ودعاهم لزيارتها.. وبعد البحث , تبين لأهل الفتاة أنه لا يوجد مشفى بهذا الاسم مطلقاً في محافظة اللاذقية. ولما عاودوا الاتصال معه, صار جواله يعطي إشارة أنه خارج نطاق التغطية, فتقدموا بمعروض الى المحامي العام يطلبون معرفة هوية وشخصية المتصل. وتبين أن هذا الأمر يحتاج الى أكثر من خمسة عشر يوماً. وعندئذ تقدمت والدة الفتاة بادعاء ضد مجهول الى قيادة الشرطة طالبة إذاعة البحث عن ابنتها, بعد أن سجلت عندهم كامل أوصافها..
في الأمن الجنائي
بعد إذاعة البحث عن الفتاة المخطوفة وتعميم أوصافها في برقية على كافة الحدود, بدأت رحلة البحث والتحري عنها في فرع الأمن الجنائي بطرطوس .. وقد تبين أن آخر رقم اتصل منه الخاطف مع أهل المخطوفة, يعود لمحطة وقود الكواكب باللاذقية حيث أكد العامل بالمحطة المدعو حسين عبد الله, بعد أن تعرف على صورة الفتاة, أن الشاب والفتاة تحدثا على الهاتف العمومي للمحطة المذكورة وقد اشتبه بأمرهما, وأخذ رقم لوحة السيارة التي كانا فيها يقول:حضر الى المحطة شاب عمره حوالي ثمانية وعشرين عاماً يقود سيارة حديثة. وبرفقته فتاة هي بنفس مواصفات الفتاة التي في هذه الصورة, وقد طلب مني هذا الشاب عشر ليرات لاجراء اتصال هاتفي خارج محافظة اللاذقية وطلب رقماً أجهله وتحدث هو والفتاة على هذا الرقم. وقد أملى على الفتاة أن تقول: بأنه قد تعرض لحادث باللاذقية وبعد إنهاء الاتصال, طلب هذا الشاب بلهجة قريبة الى اللبنانية, أنه إذا أعاد أحد طلب هذا الرقم, وسأل عن المتصل, أجبه هذا الرقم عام وموجود بساحة الشيخ ضاهر باللاذقية.. وعندئذ - (يتابع عامل المحطة القول)- شككت بأمره, وأخذت رقم لوحة السيارة.
البحث عن عائدية السيارة
في فرع مرور دمشق, تبين أن صاحب السيارة التي كانت تقل الخاطف ومخطوفته تعود الى مواطن مقيم في دمشق, وبالاتصال به على جواله الموجود في محفوظات المرور أفاد صاحب السيارة أن سيارته مودعة لدى مكتب لتأجير السيارات باللاذقية , وبالعودة الى هذا المكتب تبين أنها مؤجرة بموجب شهادة سوق للمدعو راغد بطرطوس وباستجواب صاحب الشهادة أفاد أنه يعمل سائق سيارة عامة, وقد سبق أن تعرض لسرقة محفظته التي تحتوي أوراق هوية وإجازة السوق العامة وبعض النقود, من قبل زبون ركب معه من أمام مشفى الباسل بطرطوس الى حمص.. وأبرز ضبطاً منظماً في قسم حمص الجنوبي للشرطة بهذه الحادثة.
وبالسؤال عن علاقته بموضوع استئجار السيارة التي كانت تقل الخاطف ومخطوفته أفاد سائق التكسي أنه لا علاقة له بهذا الموضوع لامن قريب ولامن بعيد وأوضح أن سارق محفظته قد استغل شهادة السوق العامة الموجودة باسمه داخل المحفظة, لتحرير عقد الايجار باسمي ومن ثم واستدرك قائلاً هذا مع العلم أن هويتي الشخصية قد أعيدت إلي عن طريق النفوس, بعد أن قام باستخدامها في عملية نصب أخرى..
العثور على الفتاة
في تلك الأثناء ورد الى قسم البحث الجنائي في محافظة طرطوس معلومات بوجود فتاة- تنطبق عليها أوصاف الفتاة المخطوفة- ولا تحمل ما يثبت شخصيتها في مركز هجرة بلد مجاور, وبالاتصال مع مدير المركز أكد وجود الفتاة لديهم بجرم دخول أراضي البلد المجاور خلسة, وطلب حضور ذويها مع بطاقتها الشخصية لاستلامها.. في المركز تعرفت والدة الفتاة على ابنتها التي كانت بوضع صحي ونفسي سيء جداً, فقد بدا عليها الإعياء الشديد, وتهلوس بكلام غير مترابط الأفكار, وقد تقيأت عدة مرات, ولوحظ آثار حقن على يدها اليسرى قرب الكتف .. ما استوجب إسعافها مباشرة الى مشفى الباسل للعناية بوضعها الصحي العام, حيث لم تتمكن الشرطة من أخذ إفادتها..
وفي المشفى, أوضح الطبيب الشرعي محمود رمضان:أن الفتاة واعية غير متجاوبة, وهي ليست بكامل قواها العقلية, وقد تبين وجود كدمات متعددة في جسمها. وآثار وخز إبر تبين دخول مادة سائلة بالحقن فوق الوريد...
مدير المشفى لاحظ عدم اتزان الفتاة عقلياً, ورأى ضرورة عرضها على طبيب أمراض عصبية ونفسية وقد أكد هذا الطبيب أن الفتاة تعاني هجمة هوسية شديدة ما يستوجب إخضاعها لخطة علاج صارمة طويلة المدى (على الأقل أسبوع), ضمن الأربطة في سريرها, لأنها تشكل خطراً على نفسها وعلى من حولها.. وبعد مضي أسبوع من العلاج المتواصل والعناية المشددة, تمكنت الفتاة من الإدلاء بإفادتها, حيث قالت: إن خاطفها كان يلاحقها منذ أكثر من شهر, بعد أن شاهدها مرة وهي تتناول الغداء مع ذويها في أحد مطاعم محافظة طرطوس.. وقد حاول التحدث معها وبعد ذلك ظل يلاحقها دون جدوى وتتابع القول: في يوم الحادثة,كنت قد ذهبت مع أمي لزيارة عمي في طرطوس, وشعرت باكتئاب ينتابني وضيق شديد, فخرجت من المنزل لشراء بعض الحاجيات, ثم رحت أسير وحدي هائمة على وجهي, حتى تعبت فأشرت الى تكسي, وإذ بسيارة عابرة تقف أمامي فجأة وفوجئت أن سائقها هو نفس الشاب الذي كان يلاحقني, وطلب مني أن أصعد معه بالسيارة ليعود بي الى البيت أو يذهب بي الى أي مكان أريده.. وما إن صعدت حتى غادر بي مسرعاً باتجاه بانياس وعرفني على نفسه باسم علي, ولما طلبت منه أن يعود بي الى بيت عمي رفض ثم راح يهددني بسكين أشهره في وجهي قائلاً إنه سيقتلني إذا ما حاولت الصراخ أو الاستنجاد..
ولما وصلنا قرب تلكلخ طلب مني النزول وقال لي: اقتربي وانظري في مياه هذا النهر, وما إن دنوت حتى دفعني الى النهر وغادر مسرعاً.. في تلك الأثناء-تقول الفتاة- رآني رجل مسن وأنا أتخبط في المياه فأنقذني, وسألني عن قصتي, عندئذ حضر نفس الشاب الذي دفع بي الى مياه النهر, وتلاسن مع الرجل المسن, ثم أخذني ليعبر بي أراضي البلد المجاور خلسة- حيث راح يتردد بي على منازل يدعي أنها لأقربائه, ويعرفني على أشخاص يقول إنهم أخوته , ثم أخذ مني كامل مصاغي وزعم أنه سيستأجر به شقة لي ويتزوجني.. وفي الصباح طلب مني بعد أن اعتدى علي عنوة أن أعمل في مجال ممارسة الدعارة, لأنه لم يعد يملك نقوداً ليعيش.
ولما رفضت راح يجلدني بنطاق, كما حرمني من الطعام ليومين متتاليين, وأثناء النوم- كان يربط رجله برجلي- حتى لا أهرب.. وقد أخذني مرة الى منزل امرأة, زعم أنها طبيبة, وحقنتني هذه المرأة بإبرة, استرخيت بعدها وطلبت النوم, ثم راح يعلمني شم البودرة, كما أخذني الى كوافير غير لون شعري, ووضع على عيني عدسات ملونة, وبدل لي طريقة لبسي.. وأحضر أشخاصاً سحبوا من يدي دماً لأسباب أجهلها. وفي الكازينوهات كان يبازر علي ويقبض الكثير من الدولارات.
وبعد فترة تدهورت صحتي كثيراً, فصرت أطلب منه أن آخذ الإبرة عند المرأة لأرتاح.. وفوجئت ذات يوم بعناصر الدرك يلقون القبض علي وأنا برفقته في أحد الأماكن, وبينما كانوا يضعون القيد في يدي تسلل هارباً, وتوارى عن الأنظار.. والدة الفتاة أكدت من جهتها أن خاطف ابنتها استغل مرضها النفسي في حين طالب عمها بإنزال أقصى العقوبات بالمجرم المتواري عن الأنظار, والبحث عنه لايزال مستمراً..