لم يتركني طويلاً في حيرتي حيث كشف لي سرّ المكيفات الستة واتضح أنها بطانيات ستة بألوان متعددة، حيث يغطي كل فرد في أسرته نفسه ببطانية طوال الليل. فلا مازوت في البيت ولا مدفأة.
ترى أليست الضحكة في الموقف السابق احتيالا فنيا جميلا على معاناة الواقع المرير.
مرة قال المتنبي:
وكم ذا بمصر من المضحكات.. ولكنه ضحك كالبكا
ألم يلخص بيت الشعر هذا حال الضحك في مصر في تلك الأيام؟
أمام التجهم العام في الحياة وأمام المتجهمين نجد أنفسنا في لحظات في موقع الدفاع عن الضحك والسخرية والفكاهة، لسبب بسيط وهو أن المتجهمين بيدهم جدية ولكنها زائفة.
هؤلاء نذكرهم مثلاً أن أول مؤتمر علمي حول الضحك والفكاهة عقد في ويلز عام 1976، نعم مؤتمر علمي حول الفكاهة والضحك حضره شخصيات من دول عديدة في العالم.
فما يميّزنا نحن البشر عن غيرنا من الكائنات ليس العقل فقط إنما الضحك، فلا كائن غيرنا على هذه الأرض يضحك.
في بلدي حيث كتبنا مئات التحقيقات عن البيروقراطية والفساد و الفاسدين خلال سنوات وسنوات، وكانت الردود هي التهجّم على الصحفي بدل الذهاب إلى المشكلة ومعالجتها، أقول أمام هذا الواقع الراكد والبائس هل من حلّ آني سوى السخرية والكتابة الساخرة؟
ولكن بصراحة هناك من يخاف من السخرية والكتابة الساخرة لأنه يتحسس مكتسباته وثروة الفساد التي حصّلها في غفلة عن العيون، هؤلاء يخافون من أي نصّ ساخر، لأن السخرية تكشفهم وتعرّيهم وتحارب الفاسدين من خلال الضحكة.
هؤلاء الخائفون من النصّ الساخر لا يعرفون سوى ابتسامات الخضوع أمام رؤسائهم، ابتساماتهم مرتبكة خائفة تدلّ على تواضع في القدرة العقلية والأخلاقية، هؤلاء يعرفون أن الساخرين لايملكون سوى نصّهم، أداتهم في مواجهة كل الظلم الموجود أمامهم.
السوريون برعوا هذه الأيام في السخرية من الأحوال العامة، فمع اشتداد الأزمات العامة تراهم يضحكون ويبتسمون ويخترعون النكتة تلو النكتة، فجرة الغاز ألبسوها ثياب العروس وأدخلوها غرف النوم ونشروا صورها على صفحات التواصل الاجتماعي، وطلب الرجل مهراً لابنته 100 ليتر مازوت وجرتي غاز. فرد العريس..» اللي بيغلّي مهر بنته معناها ما بدّو يجوزها».
نعم إنه ضحك كالبكا، لكنه مقاومة لكل ظروف الحياة اليومية وكفانا تستراً بالجدية والكتابات الناشفة التي تشبه الأمراض المستعصية.
وفي عالم الثقافة، والأدب ما أكثر المواضيع التي تستحق السخرية، فذات مرة قال الأديب جيورجي كاراسلافوف معرفاً الكاتب الغزير الإنتاج: «إنه أشبه بقطار شحن طويل، بعض عرباته محمل ببضاعة غالية الثمن، وبعضها الآخر بالسماد وبعضها الآخر فارغ تماماً».
أنذكر أصحاب التجهم والجدية بتراث الكاتب التركي الساخر عزيز نيسين؟ أم نذكرهم بتراث الكوميديا السورية التي شاهدتها الملايين وضحكت معها، ألم يكن مسلسل «ضيعة ضايعة» من أنجح المسلسلات الكوميدية السورية!
أليس مسرح الشوك ورغم كل هذا العمر الذي انقضى عليه من أجمل الأعمال الفنية المسرحية!
لذلك نرجو أن تكون هناك فسحة دائمة في الحياة والصحافة والكتابة لكل قلم ساخر قادر على إنتاج الضحكة الحقيقية في هذا الزمن السوري الصعب.
فالفكاهة وحسب رأي د شاكر عبد الحميد تنشط العقل والخيال والإبداع وتتطلب الاستبصار والحسّ الاجتماعي، وتنمي شعوراً خاصاً بالقيم الخاصة بالجمهور.
M3alouche@hotmail.com