عن تداخل معطيات الازمنة القديمة والحديثة , في استعادته لمعطيات الاسطورة السورية (مواضيع جلجامش والاله ميار وغيرها) والتعبير عن علاقة الانسان برموز المحبة والقداسة والخلاص وتخيلات الابدية( لوحات مريم العذراء والسيد المسيح والصليب والمهد وعيد الميلاد والعشاء الاخير ووجه من التاريخ وغيرها) اضافة الى استيحاء مواضيع الطبيعة وتحولات الفصول المتداخلة مع تداعيات التلوين التلقائي التجريدي , والبعيدة بالتالي عن الاشارات الواقعية المباشرة.
انها لوحات لاثارة الاسئلة , وهي على الصعيد التشكيلي والتقني تشكل عودة الى حيوية الحركة اللونية التلقائية وغنائية اللون المنثور والمناخ التعبيري- التجريدي , وهو في هذا الصدد يرتبط بإيقاعات تشكيلية وتقنية متحررة, توحي باستمرارية هواجسه القديمة , المنحازة نحو تعبيرية التجريد, على الرغم من اصراره الدائم على وصف اعماله الاخيرة(بالواقعية الجديدة).
وفي عودة الى استشراف مراحل تطور بحوثه التشكيلية نجده قد ركز في لوحاته التي عرضها منذ منتصف السبعينات , لاظهارالمشاهد الانسانية والوجوه والاشكال الصامتة والمعمارية بصياغة اكاديمية متحررة( نجد لوحات من تلك المرحلة منشورة في الدليل المرافق للمعرض) وبعبارة اخرى قدم الاشكال المختلفة من انسان وعمارة وعناصر صامتة... بلمسات لونية عفوية تفاوتت ما بين الكثافة في الزيتيات والشفافية في المائيات التي قدمها في مراحل سابقة.
ولقد استمدت اعماله حيويتها في مراحله كافة, من تفاعلاتها المثمرة مع بعض الاختبارات التي اطلقتها صالونات العواصم الكبرى في القرن العشرين, حيث اتجه ومنذ البداية (حتى في اعماله التي عرضها قبل دخوله كلية الفنون الجميلة في دمشق) لاختراق تقليدية البعد والعمق,من خلال اضفاء الالوان العفوية والمتحررة, حيث احس ومنذ مطلع شبابه باهمية اللمسة اللونية التلقائية التي تملص المواضيع المطروحة من القوالب الجامدة وتمنحها حيوية لونية تتوافق مع توترات الحالة الداخلية والانفعالية ,التي هي في النهاية صدى لتوترات حياتنا المعاصرة. علاوة على ارتباط لوحاته بالمفاهيم الجمالية والتعبيرية المقروءة في ثقافة فنون العصر الحديث.
هكذا ابتعد وفي كل مراحله الفنية, عن الصياغة الواقعية التقليدية مؤكداً على اهمية ابراز جماليات الحركات اللونية والضربات السريعة لفرشاة الالوان, وبقدرة على التعبير عن عفويته وانفعاليته وتوتراته الداخلية . وبذلك استعاد مجد اللمسة التعبيرية والتجريدية ودمج بينهما في خطوات التخلي عن القشور الخارجية للموضوع المطروح والوصول الى الحركة الدائمة والازدواجية ما بين الروح والمادة, بحيث لم نعد نرى في لوحاته الجديدة الا ملامح واشارات الاشكال الممحية والمفتوحة على كل احتمالات الايجاز والاختصار والاختزال , كل ذلك للايحاء بمطلق العناصر وحيويتها الروحية والازلية.
هذا ما نجده في لوحاته الجديدة, القادمة في الاساس من تطور رؤيته السابقة, في تجسيد اشارات الاشخاص وضمن صياغة متحررة غلبت عليها الالوان الخافتة ووصلت في مراحل لاحقة الى خطوات اضاءة اللون كما رأينا الانحياز التدريجي نحو التلخيص والتبسيط في عمليات الجمع بين الاداء التعبيري وبين الصياغة التجريدية القادمة من طريقة وضع اللمسات والضربات والتبقيع والتنقيط الاقرب الى النثر اللوني.
ولقد سجل في بعض لوحاته المعروضة(ولاسيما في ثنائيته الجدارية الطويلة) بعض التحولات على صعيد الموضوع المطروح, في الانحياز هذه المرة نحو استيحاء بهجة الوان الربيع والصيف في وادي نهر قيس, التي حملها ملامح خطواته الفنية الجديدة وتطور ايقاعاته اللونية العفوية , من خلال معايشته وتأملاته لها, من داخل مرسمه المطل على النهر والوادي واجزاء من مرتفعات ومنخفضات منطقتي صافيتا والدريكيش.
على الصعيد التقني يستخدم علي سليمان في لوحاته الجديدة خليط مواد مختلفة( زيت واكريليك والوان ترابية ورمال وباستيل وغيرها) محافظاً على طريقة الرسم بالفرشاة في الوقت الذي يعمل فيه على ابراز جمالية لونية قادمة من طريقة رش اللون وإيجاد تأثيرات بصرية باستخدام اقلام خاصة وصولاً الى اضفاء التكثيف والتنفير اللوني واثبات الحضور التقني الحديث, الذي يحول اللوحة الى اختصارات وحالات جمالية, تحتاج الى حساسية بصرية عالية لاستيعاب جمالياتها وآفاقها التعبيرية والروحية.