على مسرح قصرالعظم قبل أيام وبما أن الجمهور السوري -وخاصة الشباب منه- مشغول بحفلات زياد الرحباني في قلعة دمشق المجاورة كمكان لقصر العظم لم يكن الاقبال كبيراً كما شهدته يوماً عندما قدمت احتفالية دمشق أصواتاً نسائية متميزة على نفس المسرح, عرض أورنينا ليس جديداً حسب معلوماتي المتواضعة.
ولنبدأ من الدخول والتوقيت إذ أعلن أن العرض يبدأ في التاسعة لكنه انطلق في التاسعة وعشرين دقيقة ولم أعلم شيئاً عن الأسباب -أرجو ألا يكون ذلك انتظاراً لوصول أحد المسؤولين- وكانت تلك إشارة أولى ومهمة -كما أزعم- على سوية فكرية حسبنا أننا تجاوزناها وقد فعلنا حقاً في حفلات دار الأوبرا وتبقى استثناءات كل ما له علاقة بمؤسسة حكومية -كالمراكز الثقافي مثلاً- وللعلم فإن محافظة دمشق هي جهة الانتاج في هذا العرض.
تابعت العرض بكثير من توق الانتظار لرؤية عرض راقص يجسد مقولة طوق الياسمين كما رسمتها أنا في مخيلتي لكن الأمر لم يكن كذلك وهذا رأي قد لا يتفق معه كثيرون!
فيما عدا حركات قليلة لم يكن ما قدم عرضاً راقصاً كما اعتدت أن أرى في عروض فرق آخرى, ولم يكن الرقص حامل العمل على أي حال! ولذا قد يكون من الانصاف القول بأن ذلك العمل كان استعراضاً تمثيلياً وغنائياً وتاريخياً.
طرحت مقولات العمل بمباشرة تتحرش بك بقوة وبما يشبه الخطابية والشعارات التي ما عادت تؤثر بأحد, لأن الكلمة الدافئة واللحن الجميل والحركة المبدعة أكثر تأثيراً وأنا شخصياً لم تحركني تلك المقولات الباردة التي بتنا نعتبرها بديهيات يومية, فالشام التي نحب هي عروس الدنيا قاهرة الغزاة والباقية رمحاً وسيفاً فأين الجديد?!
لم يكن العيب في الأفكار بل في طريقة عرضها وتقديمها. فكرة العمل المستندة على عرض مراحل تاريخية مرت على دمشق لم تكن جديدة وربما قدمت بطريقة أفضل قبل الآن, إذاً كان على الفرقة أن تراهن على الفنية العالية للحركة الراقصة فإذا كانت الفكرة مطروقةوإذا كانت الأغاني تراثية محببة الى قلوبنا جميعاً فماذا قدمت الفرقة ربما كانت تلك الأغنيات الشامية المعروفة أجمل ما في العرض خاصة في الفقرة ما قبل الأخيرة.
نقدر حقاً الجهد المبذول لتقديم (طوق الياسمين) لكننا وانطلاقاً من الحب والكثير من الموضوعية تمنينا لو أن مفردات دمشق الجميلة قدمت في لوحات راقصة أكثر شفافية وإيحاء فمقولات نبيلة كتلك تحتاج الى إبداع حقيقي لنقلها كطقس صلاة لا كخطبة في مناسبة ينتهي مفعولها مع آخر كلمة فيها. كأي متابع عادي تفقدت مفكرة ذاكرتي وأحاسيسي فلم أعثر فيها -بعد خروجي من قصر العظم- إلا على أغنية شامية محببة ومقطع شعري لنزار قباني ووجه راقصة لعبت دور (الشام) بدا وجهها -على جماله- متكلفاً بتلك الابتسامة ذات التعبير الواحد الذي لم يدفىء قلبي لأن للشام كسيدة طاغية الجمال قوية فارعة القامة صورة أكثر بهاء في مخيلتي..
هي محاولة تستحق تقدير الجهد المبذول فيها لربما بقيت أعمق تأثيراً لو كان الفن لا الشعارات عنوان أولوياتها.