أن الولايات المتحدة وأوروبا اقحمتا نفسيهما في الفناء الخلفي لروسيا فضلاً عن تجاهل موقف موسكو في قضية إقليم كوسوفو.
ويقول الخبراء إن جهود إدارة بوش الخاصة بدعم الديمقراطية بما في ذلك دعمهم للرئيس الجورجي ساكاشفيلي بوصفه »منارة« للديمقراطية على الحدود الروسية, يمكن أن تكون السبب وراء تشجع الرئيس الجورجي للقيام بمثل هذا العمل الاستفزازي.
إضافة إلى انزعاج موسكو الشديد من الخطط الأميركية, نشر أنظمة الدرع الصاروخية في بولندا والتحركات الأميركية لتشجيع جورجيا وأوكرانيا على الانضمام إلى حلف الناتو.
إن كل هذه التصرفات الأميركية جعلت الروس ينظرون إلى الولايات المتحدة كعدو, وقول ديمتري سيمس رئيس مركز نيكسون في واشنطن : إن الوضع ليس بالجيد , معربا عن اعتقاده بأن لإدارة بوش دوراً كبيراً في اندلاع هذه الأزمة حيث إن التشجيع الدائم للرئيس الجورجي جعله يعتقد أنه يستطيع استعادة السيطرة على أوسيتيا الجنوبية عبر العمل العسكري دون أن يتم تنبهه صراحة أنه في حال إقدامه على هذا العمل فسوف يتحمل المسؤولية لوحده.
وبصرف النظر عما حصل بعد ذلك, يستحق الوضع أن نسأل الشعب الأمريكي كيف كان ينظر لقيام الرئيس الجورجي بالتقديم إلى عضوية الناتو وإرسال ألفي جندي إلى العراق كحليف للولايات المتحدة, فضلاً عن الحصول على تدريب تكتيكي وأسلحة من الجيش الأمريكي ?.
وماذا كان يتوقع الأمريكيون من الرئيس الروسي ? هل كان سيجلس متفرجاً وينتظر انتقال دولة سابقة في الامبراطورية الروسية وعلى حدود بلاده إلى أحضان الغرب?
إن ما يثير الغيظ قراءة تصريحات مسؤولين وجنود ومواطنين من جورجيا يتساءلون متى ستأتي الولايات المتحدة لنجدتهم ? والذي يثير الحنق أكثر هو أن بوش قام بتشجيعهم للقيام بما قاموا به , ما جعلهم يعتقدون أنه آت لمساعدتهم.
لقد ضغط بوش على القوى الأخرى في حلف الناتو لتعجيل انضمام جورجيا للحلف , غير أن الأوروبيين رفضوا الفكرة لأنهم يدركون التأثيرات الجيو جغرافية الناجمة عن دفع حلف الناتو إلى حدود روسيا, ولو سمح الأوروبيون لبوش بفعل ذلك , لكانوا اليوم مضطرين تحت بنود الاتفاقية الدفاعية لإرسال قوات دفاعية إلى جورجيا وربما خوض حرب مع الروس.
بعض المسؤولين في البنتاغون يقولون إنهم لم يكونوا على علم مسبق بنية جورجيا إرسال جيشها إلى أوسيتيا الجنوبية ولكن في الوقت نفسه يناقضون أنفسهم بالقول : إنه كان لديهم تفاهم مع الحكومة الروسية أن أي رد عسكري روسي سيكون مقتصراً على أوسيتيا الجنوبية ومن الواضح أن الرد كان أكبر بكثير, والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا قالت الاستخبارات الأمريكية حيال تحركات القوات على الجانبين..ألم تطلق تحذيرات وتنبيهات?
إن دور الاستخبارات الأمريكية ضعيف في تلك المنطقة ويفتقر إلى الأساليب التكنولوجية الحديثة وأجهزة الأقمار الاصطناعية للتجسس وتكنولوجيات أخرى يتم استخدامها في العراق وأفغانستان وباكستان, ولا يوجد سوى القليل من المراقبة لتحركات الجيش الروسي باتجاه الحدود الجورجية.
فضلاً على أن الولايات المتحدة فقدت مصادر كثيرة للوصول إلى المعلومات الجوهرية عندما انسحبت روسيا من القوات التقليدية في اتفاقية أوروبا في كانون الأول الماضي وذلك اعتراضاً على الخطط الأميركية بنشر منظومة الدرع الصاروخية في عدد من الدول الأوروبية.
وطبقا لبنود تلك الاتفاقية كانت روسيا مجبرة على تبادل تقارير حول حالة قواتها العسكرية مع الولايات المتحدة والأعضاء الآخرين شهرياً ومنذ انسحاب روسيا من الاتفاقية أصبحت تلك المعلومات غير متوفرة .
الرئيس جورج بوش اعتبر أن هجمات الجيش الروسي ضد جورجيا ربما تستهدف إسقاط أية حكومة موالية للولايات المتحدة في المنطقة وهي خطوة حذر من أنها تمثل تصعيداً وحشياً ودراماتيكياً للازمة التي بدأ المسؤولون الأمريكيون وصفها أنها عودة إلى نمط جديد من الحرب الباردة .
ورغم تحذيرات بوش أن العلاقات الأمريكية-الروسية سوف تتأثر فيما لو رفضت روسيا سحب قواتها من جورجيا, غير أن القادة الروس يدركون جيداً الحاجة الأمريكية إليهم لحل المشكلات العالقة في العالم فضلاً عن أن الشعب الأميركي المثقل كاهله جراء الحروب لا يرغب البدء بحرب جديدة في حين أن بوش ستنتهي ولايته في غضون أشهر قليلة.
إن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين يواجهون خيارات قاسية من تقويض عقدين من المكاسب الديمقراطية في دول كانت تشكل جزءاً من الاتحاد السوفييتي سابقاً ليس بمقدورهم استخدام الخيار العسكري ضد روسيا, وستسعى الولايات المتحدة
إلى الضغط على روسيا دولياً ,إضافة إلى التهديد بإبعادها عن مجموعة الثماني الاقتصادية, لكنها ستخفف في فرض عقوبات اقتصادية جدية على روسيا باعتبار أن كثيراً من الدول الأوروبية تستورد معظم حاجاتها من الطاقة من روسيا.
إن روسيا تبدو مصممة على إعادة نفوذها على جورجيا وأوكرانيا وبذلك ترسل إشارات تحذيرية للدول الأخرى من تحالفها مع الولايات المتحدة.
وهذه الأزمة لن تؤثر على العلاقات الأمريكية الروسية فحسب بل إنها ستؤثر على توازن القوى في العالم الذي يعتقد الكثيرون أن الولايات المتحدة ستفقده في السنوات القادمة.