وبقينا أحياءْ
على أرضٍ مريضةٍ وواطئة
لا شيء يعلو فيها
غير المقاصلِ والعويلِ ودخان أرواح الموتى
بقينا أحياءْ.
تألّمنا،وضجِرْنا،وأحببنا،وتَحايَلنا على مشيئةِ القدر،وقامرنا بما ليس في اليد،وندمنا على
خطايا الجمال،وتَقوَّست أرواحُنا من شدّةِ الحماقةِ أو..من فداحة اليأسْ....
وبقينا أحياءْ.
أحياناً،بكرَمِ اللصوصْ،تركْنا الوليمةَ مفتوحةً
للثعالبِ والطيور وقطّاعِ طرقِ النهارْ..
وأحياناً جُعْنا حتى أوشكنا على تَسَوُّلِ لقمةِ زقّوم الحياةْ وحين بلَغْناها
أعجَزَنا عن ابتلاعها حياءُ الشحّادينْ
وبقينا أحياءْ
أحياناً،مُحْدَودِبي الأعناقِ كخدمِ الكنائس المتقاعدين،تسلَّلنا،خائفينَ وجوعى،إلى عنابرِ مؤونةِ
الجرذانْ وأحياناً – في أحلام هَمَجيّتِنا – باغتْنا القباطنةَ على أَسِرّةِ النعاس،وعلّقناهم بلا
رحمة على سوراي سفن الإغاثةْ..
أحياناً رضخْنا
وفُزْنا بالغنائم العظيمة التي
يتصدّق بها أمراءُ مقاطعاتِ الموتْ
وأحياناً قلنا "لا!..."
وكنا واقفينْ نرتجفُ من الشجاعةْ
على الدرجاتِ الأخيرة لسلالمِ الأبديةْ
أحياناً (هكذا....) صَفَعنا ضميرَ الأرضِ بنعالِ الأحذيةْ
وأحياناً رفعْنا أكفّنا المتضرعةَ إلى حرّاسِ باديةِ السماواتْ..نتسوّلُ،دونما أمل،عدالة
قاضينا:الموتْ
وبقينا أحياءْ
قطعْنا أوردةَ معاصمنا بأمواسِ الحلاقة وسكاكين المطابخْ
وبقينا أحياء
عَجَنّا رغيفَ يومِنا بحمض الجنون الهاري
وبقينا أحياءْ
متنا الحياةَ كلَّها
والأحلامَ كلّها
والجنونَ كلّهُ وكلَّهْ...
وبقينا أحياءْ
كشفْنا إحداثياتِ قلوبنا
لسبطانات فصيلِ الإعدامِ الكونيّ،
لكنْ،على الدوامْ،وربما بالمصادفةِ المحضةْ،
كانت حساباتُ الرمْي على اللحمْ
أقلَّ دقّةَ من حساباتِ الرميِ على الدريئةْ
فبقينا أحياءْ...
بقينا أحياء – كما ترونْ-
ليس لأنّ عظامنا وقلوبنا وشرايين أعمارِنا
كانت مقاوِمةً لفيروسات الموتْ
بلْ لأنّ قنّاصي حياتِنا
كانوا،كعادتهم في الحروبْ،
يخطئون دائماً
في التسديد على الأهداف اليائسةْ.