تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


لغز الروائية الروسية إيسابيل ابيرهارت

ملحق ثقافي
25/3/2008م
يوري زيفين ترجمة: د. إبراهيم زعير

في واحة «عين صفرا» الواقعة على بعد 500كم عن العاصمة الجزائرية بدأ المخرج علي عقيقة بتصوير فيلم وثائقي مكرس لحياة الكاتبة والصحفية «الروسية الأصل» إيسابيل ابيرهارت التي عاشت في الجزائر سنوات عديدة.

ويأمل المخرج عقيقة المقيم في فرنسا من خلال فيلمه إحياء تراث وشخصية هذه المرأة التي كانت حياتها مليئة بالكثير من الأسرار.‏‏

وعلى الرغم من أن إيسابيل عاشت حياة قصيرة إلا أنها مفعمة بالأحداث المثيرة التي جذبت اهتمام الباحثين والكتاب من مختلف أنحاء العالم وقد كرست لحياتها وأعمالها الصحفية والأدبية نحو 15 كتاباً باللغات الانكليزية والفرنسية والألمانية وأطلق اسمها على أحد شوارع جنيف وتم إخراج فيلم فرنسي نمساوي مستوحى من سيرة حياتها. ولدت إيسابيل في جنيف في أسرة روسية هاجرت من مدينة سانت بطرسبورغ في نهاية القرن التاسع عشر وكان أفراد عائلتها يتحدثون بثلاث لغات وحصلت إيسابيل على تعليم وثقافة جيدة وشغفت بالأدب والكتابة الصحفية وهي في ريعان الشباب ورغم صغر سنها فقد نشرت رواياتها على صفحات المجلات الباريسية ولم ترق لها الحياة الهادئة والهانئة وكانت روحها تشغف إلى السفر للدول والأماكن البعيدة غير المكتشفة في الشرق وقررت السفر إلى الجزائر التي كانت حينذاك تحت الانتداب الفرنسي وكان عمرها عشرين عاماً فقط.‏‏

‏‏

وفور وصولها إلى الجزائر درست اللغة العربية وتعلمت لغة القرآن الكريم وبسرعة مدهشة أتقنت إيسابيل اللغة العربية وأصبح لها أصدقاء من بين السكان المحليين واعتنقت الإسلام. ودعمت الكفاح ضد المحتلين الفرنسيين ودخلت جمعية الصوفيين حيث اطلعت على أسرار العقائد الغامضة وكانت هذه الفتاة الأوروبية تسافر في المناطق غير الآمنة حيث كانت تجري المعارك أحياناً بين الجنود الذين يقومون بحماية طرق القوافل من مهاجمة البدو وكانت تقتات التمر اليابس والحساء وتنام في العراء ومن هناك في تلك الصحراء البعيدة الموحشة كانت تعد تقاريرها الصحفية التي تشرح فيها ظروف الحياة في الصحراء وترسلها إلى الصحف الفرنسية وخاصة الصحيفتان الأخبار والديبش الجيريني اللتان فتحتا صفحاتهما لتقارير إيسابيل حيث تطلع القراء على الجوانب غير المعروفة من تقاليد أهالي الصحراء وتميزت تقاريرها باللغة الأدبية الرشيقة والجذابة والمعبرة واستخدام الكثير من الأدباء نتاج تأملاتها كأساس لبعض رواياتهم والتي امتزج فيها المزاج الرومانسي للمؤلفة التي كانت تبحث عن نموذج يريح روحها في أحضان الطبيعة وفي وسط الناس البسطاء الذين يحبون بعضهم البعض لمجرد انهم بشر لم يعرفوا الحب المنافق والتملق والغايات المادية التي تحطم النفس البشرية النقية التي وهبها اللـه لعباده أما الأوروبيون الذين عرفوا إيسابيل كانوا ينظرون إليها باستغراب واندهاش وأطلقوا عليها تسميات عديدة مثل «فتاة قوزاقية في رحاب الصحراء» وغير ذلك ولكن أحد عملاء السلطات العسكرية الفرنسية وشى بها متهماً إياها بأنها تقوم بالتجسس لحساب الثوار الجزائريين المناهضين للاحتلال الفرنسي وفي حزيران 1901أحيلت للمثول أمام القضاء العسكري الفرنسي وحكم عليها بالرحيل من الجزائر بوصفها «متمردة» ورغم انها تعرضت للطعن من أحد المتعصبين في الصحراء أثناء قيامها بزيارة أحد المرابطين في الصحراء حيث أصيبت بجروح كادت تودي بحياتها ولكن الأطباء تمكنوا من إنقاذها فإنها وأمام جلسة المحكمة العسكرية الفرنسية دافعت إيسابيل عن حرية الشعب الجزائري وعن الذين تعرضوا لها بالضرب وعبرت عن آرائها بجرأة وموقفها الرافض للتواجد الأجنبي في الجزائر ووجهت الانتقادات اللاذعة للنظام السائد في البلاد المحتلة آنذاك غير أن المحكمة لم ترأف بها وقضت بترحيلها من الجزائر. ومكثت إيسابيل بعض الوقت في مارسيل حيث التقت بحبيبها الجزائري سليمان وتزوجته ولكن حياة إيسابيل انقطعت بشكل مفاجئ في ذروة نجاحها المهني ففي إحدى ليالي تشرين الأول 1904انهار البيت الطيني الذي كانت تقيم فيه إثر فيضانات غير مسبوقة وقضت نحبها عن عمر يناهز 27عاما ودفنت في مقبرة سيدي بو جمعة. لم يقيض لإيسابيل زيارة روسيا ولم ترها اطلاقاً علماً بأنها بقيت تحتفظ بمواطنيتها الروسية. لقد تركت إيسابيل إرثاً أدبياً هاماً منه ما ألفته باللغة الروسية وباللغة الفرنسية والعربية وأهم رواياتها رواية «في ظل الإسلام الدافىء» تتحدث فيها عن المقاومة والحب وأبطال رواياتها أوروبيون أتوا إلى الجزائر لمساعدة السكان الأصليين ضد المحتلين وأبطال روس أيضاً. ولم يهتم أحد بعد ذلك بحياتها وإرثها الثقافي والأدبي -ولكن ظهر الاهتمام بأعمالها مجدداً في باريس والجزائر ففي عام 2004في ذكرى وفاتها المائة جرت فعاليات مكرسة لذكرى إيسابيل - ويقول عنها الأدباء الجزائريون أن إيسابيل تحدثت عن الحقائق الحياتية للشعب الجزائري وكفاحه ضد المستعمرين وتعاملت مع بطلات رواياتها بإنسانية عالية حيث عانين من الظلم والظروف الصعبة والتميز من قبل الوسط المحيط بهن. وحياتها الغنية دفعت المخرج الجزائري علي عقيقة لإخراج فيلم يلقي الضوء على حياة هذه المرأة المدهشة ويستند في عمله إلى إرثها الأدبي والثقافي الغني. ووصف أحد الصحفيين الجزائريين إيسابيل بأنها لغز روسيا المقدسة التي مدت جسراً إلى بلاد المسلمين هل سيساعد فيلم عقيقة على فهم هذا اللغز ؟.. عن نوفوستي الروسية‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية