امرأة الرغبة سرديات المرأة العربية في المخيال الروائي
ملحق ثقافي 25/3/2008م عبد الناصر حسو إمرأة الرغبة، هذا ليس عنوان رواية للإيطالي البيرتو مورافيا، ولا فيلم سينمائي من أفلام هوليوود، إنما صورة من صور المرأة كنموذج في الرواية العربية التي تعتمد على تحفيز القارئ، والترويج عنها، ويمكن القول إنها نموذج في معظم الروايات التي أنتجت في الفترة الأخيرة.
هناك إجماع بأن أقرب الطرق إلى قلب القارئ هو المرأة والجنس كموضوع يشغل القارئ قبل الروائي، والمتابع للروايات التي صدرت في السنوات الأخيرة، لن يجد صعوبة في إيجاد عدد لا يحصى من الأدلة على أن المرأة والجنس يشغلان جُلّ التفكير الروائي، كما يقول المثل من الغلاف إلى الغلاف. تبتدأ موضوعة المرأة من العنوان الذي يعلن عن الرواية، كونه الطريقة الأكثر انجذاباً وترويجاً للرواية ولا تنتهي بآخر جملة فيها، بل تتعدى الغلاف الأخير، لتستقر على صدر الصفحات، وحديث السهرات الثقافية. الرواية عنواناً هناك دراسات تتناول العنوان الذي يشكل ظاهرة عما يتضمنه موضوع الرواية، أو مما يتضمنه عكس الموضوع، خوفاً من ألا ينتبه القارئ إلى مضمونها، وعادة يكون العنوان على الغلاف الأول وبخط واضح وكبير؛ وربما مزين بألوان، مع صورة الغلاف مثلاً «فوضى الحواس» و«ذاكرة الجسد» و«نساء الطوابق العليا» و«رائحة الأنثى» و«الخبز الحافي» وغيرها من الروايات التي تثير انتباه القارئ وتغريه. «نخبك أيتها المرأة الوحشية.
اللعنة على حياة ليست مليئة بالخمر والنساء الوحشيات من أمثال... ...ألا تقرف زوجتك منك وأنت تردد أمامها كل يوم شعاراتك الفارغة عن الشرف والأمانة والتفاني في العمل؟..ولت أيام الشعارات، هذا زمن السيقان المسلوبة والأفخاذ المكتنزة، زمن الخمر والنساء الجميلات..» امرأة الرغبة يستعيرها معظم الروائيين كنموذج لتزيين الرواية ومنحها عنصر التشويق، ومن المفترض في هذه الحالة أن تكون هذه المرأة، متمردة، خارجة عن العادات والتقاليد، وهي غير موجودة في واقعنا بغض النظر إن كانت ريفية أو مدنية، وهذا الحضور يتنافى مع الوجود الاجتماعي للمرأة في الواقع والرواية والروائي معاً، كونها امرأة تنتمي إلى هذا المجتمع الذي يعيش فيه الروائي. صورة المرأة، لم تترسخ في الروايات العربية المنشورة حديثاً بشكل حقيقي، فإما أنها حلم رجل يطاردها، وإما أن تكون إسفنجة تمتص إهانات الرجال وقذارتهم، ومعظم الأحيان تشعل فتيل الفتنة في مجتمع الرواية المتخيل، لكن هل يمكن أن نجد تلك المرأة المتمردة أخلاقياً في الواقع؟ ورغم ذلك يعتبرها الروائي غاوية الرجال، واستراحة الروائي والشخصيات بعد عناء يوم عمل شاق، أو هكذا يوظفها في الرواية. كان من المفترض أن تجد موضوعة المرأة حيزاً في الروايات، حيث تتحول المرأة إلى شهوة جنسية بتأثير علم النفس الفرويدي وعقده المتعددة والمتنوعة، وبات النظر إليها فقط من خلال امتلاك جسدها، وليس من منطلق الجمال والقبح أو الفطنة والغباء أو الترميز للمقاومة أو للأرض أو.. وللجسد لغة واضحة وصريحة لا تتخلى عنها المرأة باعتبارها الأكثر حضوراً في المجتمعات، لذا فغالبية الروايات تناولتها على أنها متوسطة الجمال، لكنها تشبه كليوباترا في شهوتها، وتفوق ميديا في كيدها، وهي حواء في غوايتها، ونادراً ما نجدها رمزاً للمقاومة والنضال مثل جميلة بوحيرد.. بعض الروايات تختار موضوعة الحب الذي ينسجم ويعبـر عن الرؤية الذاتية والحرية الشخصية للكاتب، وطالما أن الواقع بعيد المنال، فالحلم يحقق هلوسات وأحلام بعض الروائيين الذين لم يتخلوا عن شرقيتهم، إلا أن بعض الروائيين موفوري الحظ من الناحية الاقتصادية، يعانون فراغاً عاطفياً في الخيال والرواية، لذا جرى التركيز على الحب والجنس دون التطرق إلى السياسة والدين، أهم المحرمات في العالم الثالث كما أشار إليه الراحل بوعلي ياسين، وباعتبار أن الموضوعين الأخيرين يسببان إشكاليات، ولا يمكن الحديث عنهما في هكذا مجتمعات، فكان الجنس هو الموضوع الأكثر تناولاً وتداولاً وأمناً وجاذبية لدى القراء. الفضاء الروائي صورة المرأة لا تخضع لأبعاد حياتية، إنما لحب فردي يحقق رغبة الروائي أولاً، ثم يحقق رغبة بعض من قرائه، وهذه الصورة، غريبة عن البيئة العربية المعاصرة ظاهرياً، إنها في الخيال فقط، وغالباً ما تكون الأحداث غير مترابطة أو متطورة، يلعب القدر والمصادفات في بنائها دوراً أساسياً، فعندما يواجه الروائي أزمات أثناء الكتابة، يحاول أن يسند عملية القص إلى الراوي بعد أن يعجز عن قصها، فيخرج الراوي الأحداث من البيئة المغلقة إلى أماكن رحبة لإحداث علاقات غرامية بعيدة عن عيون التقاليد، لأن (الأماكن) الأكثر تحرراً وانفتاحاً هي الأماكن المفتوحة (وغالباً تكون المدن الكبيرة) يختلط فيها الحابل بالنابل، إذ يتوقع القارئ موقفاً عادلاً، ومناصراً لقضية المرأة حتى يتسنى له التعبير عن عواطفه المكبوتة، لكن في سياق العمل، ينظر إليها نظرة شهوانية وعبودية، واستعلاء، وامتلاك، ويزداد الموقف إحراجاً إذا كانت المرأة من طبقة شعبية حيث تتصف إما بالعهر، أو بالتضحية من أجل قضية إنسانية، كما يدعي الروائي ويتعاطف الراوي معها من منطق أنها ضلع قاصر، لكن هذا لم يمنعه من ممارسة الضغط عليها والنظر إليها نظرة شبقية، وتصويرها من منطق الدوافع الجنسية. الملاحظ أن موضوعة المرأة هي إقحام مجاني في معظم الروايات، وغالباً ليست لها علاقة ببنية الرواية أو تطورها ولا بالمقولة الفكرية، ولا حتى بموقع المرأة في المجتمع، بل لها علاقة بالانتشار في زمن لم يعد الكتاب يشكل حيزاً من تفكير القارئ، ولها علاقة باشباع رغبة الروائي، ورغم ذلك لايمكن إغفال بعض الروايات التي تناولت المرأة في سياق الوعي التاريخي بالأحداث الكبرى التي تمر بها الأمة العربية، وفي إطار مكانة المرأة في المجتمع. نرجسية الرجل وإمرأة الرغبة الرجل هو ابن القسوة، قسوة المجتمعات والحكومات والطبيعة والأخلاق، والكبت الموروث، وعندما يجد فرصة للاختراق فلا يتوانى في ذلك، وخاصة مع ممن هن أكثر حظوة على القسوة، عندما يجد نفسه بين قطيع نساء، لا يهم إن كن جميلات أم لا. إذ يحلم منذ سنوات طويلة، بوليمة عامرة، وعندما يفشل، يصور جميع نساء العالم في هيئة واحدة، ويخترقها بطريقته الخاصة. هذه الشخصيات ترى أن الحياة تبدأ بالجنس وتنتهي إليه، فلا ينظر إلى المرأة إلا من خلال الثياب الداخلية، وأغلب الأحيان يجردها من ثيابها، فيصبح الرجل شخصية عدوانية يقع تحت تأثير الجنس المكبوت، حتى أنه يفقد السيطرة على شهواته. روايات تصور نرجسية الرجل ودونجوانيته حيث النساء كالفراشات يحلقن حوله، نساء رخيصات، عاهرات الثقافة أحياناً، إلا أنها هي أيضاً تختار ما تريد من الرجال الأكثر فحولة، نساء تبحثن عن المتعة مع رجل وتنصبن أفخاخاً لرجل آخر وهن بين أحضان الأول، فالأنوثة والرومانسية قتلتا على السرير وأصبحتا مجرد سلعة مرغوبة تباع وتشترى. ما مر معنا في السياق، يجد القارئ أن هذه الروايات لا تقدم جديداً سوى مشاهد جنسية مكررة في جميع الروايات ومقحمة فيها أغلب الأحيان، رغم أن هناك عشرات الطبعات من رواية واحدة من هذا النوع. هكذا تخصّص كثير من الروائيين بهذا النوع من الأدب الجنسي (الإيروتيكي)، وهكذا اختزلت العواطف في عاطفة واحدة هي الجنس. وُيعتقد هؤلاء أن الرواية التي لم يكن موضوعها الجنس، هي رواية فاشلة ولا تلقى النجاح والاستحسان وبنفس الوقت هي رواية غير مربحة، لكن حقيقة الأمر أن هناك روايات عديدة حققت الشهرة والنجاح دون الاعتماد على موضوع الجنس. هل يعترف هؤلاء الروائيون أن نجاح الرواية لايمر إلا من بين فخذي المرأة في الزمن الذي تخضع كافة الكائنات إلى تحولات مشوهة؟ حدث هذا مع بداية التسعينيات، حين بدأت الحياة الثقافية تنحدر بشكل تدرجي إلى الأسفل وتحولت المفاهيم الإنسانية والأخلاقية، ولم يعد أحد يهتم بالمواضيع الكبرى، فقد انكسر الإنسان من الداخل، ولجأ إلى ذاتيته الخاصة مكتفياً بما سيقوله فيكتبه عن نفسه دون الاهتمام بالمجتمع الذي يعيش فيه، لذلك ليس غريباً أن نجد أدباً ذاتياً يمجد «أنا» الروائي المنكسرة، كتعويض عن «أناه» الاجتماعية التي تخلى عنها لصالح همومه وأحلامه وتهويماته.
|