لكن شعورا داخليا بالعدل دفعه في منتصف عمره الى تأييد قضية لم تكن معروفة آنذاك على المستويات الشعبية ألا وهي القضية الفلسطينية .
ادرك (آدامس) ان هناك لحظتين حاسمتين في حياته المهنية, الاولى في ازمة السويس 1956 والتي قام بتغطيتها لمصلحة ما كانت تسمى ب¯(مانشستر غارديان) الامر الذي نقله من صفوف الهواة الى مراسل جدي .
اللحظة الثانية كانت خلال عدوان حزيران الذي شنته اسرائيل عام 1967 على العرب سافر بعدها الى الضفة الغربية وغزة واضحى اول صحفي يتطرق لخرافة الاحتلال الاسرائيلي المعتدل.
ورغم انه لم يشأ ابدا ان يكون ناشطا, لكنه ادرك وجود قضية لا يمكنه ابدا تفاديها,انها النضال ضد الاجحاف والظلم وضد سيطرة الدعاية الاسرائيلية والرأي الغربي القائلين إن الفلسطينيين شعب لا اهمية لحقوقه .
(مايكل آدامس) الذي توفي في اوائل شباط الجاري, بريطاني ولد في (أديس أبابا) عام ,1920 حيث كان والده يعمل في البنك الوطني المصري, وتلقى تعليمه في مدرسة سيد بيرغ (التي تعرف الآن ب¯ (كومبريا) وهناك احب الطبيعة كثيرا, ثم درس التاريخ في اوكسفورد.
وهو طالب لم يكن سياسيا ولكنه امتلك اراء تحررية متحضرة. ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية في نهاية سنته الدراسية الاولى , انضم الى السلاح الجوي الملكي وبعد سنة اصيب بطلقة نار عند البحر الشمالي وأسره الالمان واودع في السجن في معسكر (لوتشينوالد) جنوب برلين حتى نهاية الحرب .
وهناك تعلم الكثير عن الطبيعة البشرية والاكثر عن نفسه وقبل كل ذلك اكتشف الطاقات الداخلية اللازمة للتعامل مع الصعاب ساعده في ذلك الكتب التي اهداها اليه والده وكانت سببا بولع ابدي بشعر (روبيرت برونينغ) بعد الحرب عاد الى اوكسفورد وامضى هناك سنتين تلتهما فترة سعيدة عمل فيها ككاتب سيناريو لبرامج خدمة ال¯ (بي بي سي) الاوروبية.
وفي عام 1956 ومن دواعي دهشته ان ارسلته ال¯(غارديان ) للقاهرة كمراسل لها في الشرق الاوسط. وبتواضعه المعهود اخبر (ألاستير هيثر ينغتون) الذي اضحى فيما بعد رئيس التحرير انه يجهل تلك المنطقة, عندها اجابه (هيثر ينغتون ) ان الصحيفة تحتاج لشخص مفتوح الذهن.
وكان تعاونا ناجحا, وبشكل فطري كان (آدامس) يعلم ان موقف رئيس الوزراء ( انتوني ايدين) المتعلق بالسويس خاطئ اخلاقيا ويشكل خطراً على مصالح البريطانيين.
وتجلى موقفه هذا في مقالات نشرها بالغارديان وعندما ابعد كل المراسلين البريطانيين من القاهرة انتقل الى (بيروت) ونشر كتابه الاول (السويس وما بعد).
عام 1961 وبعد ان عمل قليلا في القاهرة تمكن من اقناع (هيثر ينغتون) من السماح له بتغطية ايطاليا والشرق الاوسط من روما.
وهذا الاتفاق ألغي عندما ادت ازمة مالية في (الغارديان) الى إخراجه من وظيفته .
في حزيران 1967 ومع شن اسرائيل عدوانها على مصر وسورية كتب (آدامس) على الفور مقالة تنبؤية في (الغارديان) طالب فيها الاسرائيليين العمل من اجل اقامة السلام, وحذرهم من ان ابتلاع الاراضي المحتلة سيؤدي الى عدم استقرار في المنطقة.
وبعد عدة اشهر ارسلته ال¯( بي بي سي) الى الشرق الاوسط لكتابة سلسلة من البرامج الاذاعية حول الرأي العربي وهي التي كانت وراء كتابه (فوضى او ولادة من جديد) .
خلال زيارته قام برحلة غيرت مجرى حياته: اذ ذهب الى غزة والقدس والضفة الغربية ليرى بنفسه ما يجري هناك .
وذعر من وحشية الاحتلال ومن ضغوطات الجيش الاسرائيلي على العائلات الفلسطينية للانضمام لصفوف المهاجرين واغضبه ان شيئا من هذا لم يذكره المراسلون البريطانيون والامريكيون في القدس.
كتب مقالات مستقلة في الغارديان بلغت ذروتها عندما وصف تدمير الاسرائيليين لثلاث قرى على مشارف القدس, وكان (هيثر ينغتون ) قد نشر له مقالات سابقة ولكنه رفض هذه مفترضا ان هناك مبالغة في الرواية والا لماذا لم يكتب الصحفيون العاملون في القدس شيئا كهذا?.
وكانت ردة فعل آدامس غاضبة , عندها هدد (هيثر ينغتون) بعدم نشر نتاجه ثانية, ولكنه فيما بعد حصل على معلومات تؤكد هدم القرى فعاد وقبل مساهمة (آدامس) في هذا المجال .
صدم (آدامس) بردة الفعل الغاضبة للوبي الصهيوني على انتقاده الاحتلال الاسرائيلي, كما ان بعض الشخصيات بمن فيها اعضاء برلمانيون , حاولوا التعبير عن وجهة النظر العربية في البرلمان او وسائل الاعلام, واجهوا ردة فعل مشابهة فقاموا معا بإنشاء مجلس تعزيز التفاهم البريطاني العربي او ( كابو) في محاولة لمواجهة التحيز لمصلحة اسرائيل والذي كان سائدا ذاك الوقت.
وعلى مضض قبل (آدامس) ان يكون مدير ( كابو) مع علمه ان هذا سيكون النهاية لعمله كصحفي مستقل, وفيما بعد توقف عن العمل كمدير اداري وركز على المعلومات .
عام 1971 اضحى (آدامس) اول رئيس تحرير لمجلة الشرق الاوسط الدولية,وخلال الخمسة عشر عاما التي امضاها في عمله بهذه المجلة و ( كابو) قام بالكثير لأجل تغيير الرأي البريطاني.
لقد ساعدت مقالاته وخطاباته ومقابلاته على اقناع الناس أن للفلسطينيين حقوقا, ويستحقون ان يكون لهم وطنهم الخاص .
وكان يرد بهدوء غير عادي على موجات الحقد والتلميحات بالعداء للسامية, وهذا الهدوء هو الثروة الداخلية التي عثر عليها في ألمانيا .
وبمساندة من زوجته( سيليا) التي تزوجها عام 1957 وبسبب حياته الاسرية السعيدة , تمكن ( آدامس) من الحفاظ على لباقته وآدبه في مواجهة كل تلك الهجمات.
كان محبوبا من قبل زملائه وكل واحد منهم وصفه أنه الطف رجل التقاه في حياته .
نشر سيرته الذاتية في كتاب حمل عنوان (عالم لا يسافر اليه أحد )تحدث عن حياته حتى فترة السويس , وللاسف كان من المفترض ان يكون هناك جزء ثان ولكنه لم ير النور وقد سجلت الكثير من تجاربه في كتاب مشترك مع (كريستوفر ماثيو) بعنوان : (لا تنشر : التكتم حول الشرق الاوسط (1975).