وكان نص الاتفاق صورة لاقتراحات الاتحاد منذ خمسة عشر عاما.
فخلف الخطاب الإنساني التضامني والسخي ترتسم أوروبا الصارمة في اندفاعها نحو العولمة الليبرالية الجديدة بفرض رؤيتها على تلك الدول لكن لم تكن هكذا الحال دائما?
ففي عام 1963 تم التوقيع على اتفاق ياوندي ما فسح المجال أمام أول معاهدة تجارية بين الجماعة الاقتصادية الأوروبية وبين ثماني عشرة دولة إفريقية وشركاء مدغشقريين وحصلت الدول الأفريقية بموجبها على امتيازات تعرفية غير مثلية وذلك مراعاة لمنتجاتها حول التعاون المالي والتقني ولاسيما حول مشاريع البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية.
عام ,1975تم التوقيع على اتفاق لوميه في توغو مع مجموعة دول المستعمرات السابقة وذلك بتحريك من المفوض الأوروبي كلود شيسون.
هذا الاتفاق المبني على الشراكة والتضامن تمتع بمكتب سكريتاريا مركزه بروكسل.
ونص لوميه I على أفضليات تعرفية غير مثلية بخصوص صادرات منطقة مجموع دول المستعمرات السابقة نحو الجماعة الاقتصادية الأوروبية.
وثبتت هذه المعاهدة آلية تمكين الصادرات المسماة (ستابكس) التي تسعى إلى تعويض عجز وارد الصادرات الناجمة عن تقلب أسعار السوق العالمية.
وتضمنت المعاهدة بنودا تلائم صادرات منطقة دول المستعمرات السابقة في مجالات مثل السكر واللحوم البقرية والموز.
كما مولت هذه المعاهدة الطبقات التحتية والبرامج الزراعية 1979 وقعت 58 دولة إفريقية على معاهدة لوميه II التي أضافت إلى اتفاقها سيسمين sysmin وهي مثل صادرات ستابكس..
من عام 1984- 1995 تبعتها على التوالي معاهدة لوميه III ولوميه IV ولميه IV مرة أخرى, هذه المعاهدات التي شملت أخيرا سبعين دولة.
وشيئا فشيئا, تأثرت هذه المعاهدات بالقضايا النيوليبرالية المنبثقة.
وأصبح احترام مخططات التسوية البنيوية لصندوق النقد الدولي والاعتماد على تطور القطاع الخاص شروطا مفروضة على دول المستعمرات السابقة.
بعد تأسيس منظمة التجارة العالمية عام ,1995 باتت الأولوية (الاندماج بالاقتصاد العالمي).
عام ,1996 أخذ المجلس الأوروبي في حسابه نهاية الحرب الباردة وتأسيس منظمة التجارة العالمية وأثر الحرب والكوارث الطبيعية والمضمون المؤسساتي الداخلي لدول المستعمرات السابقة.
وهكذا اقترح المجلس مناقشة اتفاق جديد يتم التوقيع عليه بعد أربع سنوات من تاريخه في كوتونو.
أراد الاتحاد الأوروبي فرض قواعد منظمة التجارة العالمية على دول المستعمرات السابقة بدل التضامن معها, واختار إفقاد الدول الأقل تقدما منها حق خرق الاتفاق الذي منحتها إياه منظمة التجارة العالمية عندما لم توقع على معاهدة المبادلة الحرة.
ومع قواعد منظمة التجارة العالمية -التي تفرض المعاملة بالمثل -ستتلاشى الامتيازات التعرفية غير المثلية وهكذا يصبح لزاما على دول المستعمرات السابقة أن تنفتح على المنتجات الأوروبية بنفس الطريقة التي تنفتح فيها السوق المشتركة على منتجات دول المستعمرات السابقة.
لكي يتوصل الاتحاد الأوروبي إلى غايته فرض تقسيم دول المستعمرات السابقة إلى مناطق بحيث يتم التوصل إلى اتفاق مبادلة حرة مع كل منطقة على حده تحت اسم معاهدة شراكة اقتصادية إقليمية تتوافق مع معاهدة منظمة التجارة العالمية.
كما عمل على تمويل برامج ترتكز على مخططات التسوية البنيوية, وعلى الحوار الاجتماعي والاندماج الاقليمي في قلب المناطق المؤسسة لمعاهدات الشراكة.
تفسر معاهدة كوتونو التطور الجذري: فهي تنتقل من احترام العقيدة إلى مبدأ النمو الذي يسهل وجود سوق (محررة) من العوائق وصولا إلى التنافس, وكذلك تصديق أولوية الأنظمة الدولية للتجارة والمال بالتصديق على عدة مواد مثل 36 و41و46 حول تلاؤم المعاهدات مع أهداف منظمة التجارة العالمية وشكل حقوق الملكية المعنوية المرتبطة بالتجارة..
وهكذا عمل الاتحاد بكل إمكانياته ليحصل على اتفاق يناسبه.
طبعا, اتفاق كوتونو لايقحم بنود الضمان والآليات الحمائية التي منحها الأوروبيون لأنفسهم, وبشكل خاص في الملف الزراعي.
بدأت المفاوضات حول معاهدة الشراكة الاقتصادية الاقليمية في أيلول .2003
ومنذ افتتاحها, كان المجلس الأوروبي المفاوض الوحيد باسم الدول الاعضاء للاتحاد, ففرض اللغة والمضمون والنظم بالرغم من احتجاجات حكومات المستعمرات السابقة.
دونت الوثائق باللغة الانكليزية وتمت المناقشات بنفس اللغة.
والحال أن الدول الافريقية المعنية والتي تشكل 94% من شعوب دول المستعمرات السابقة تستخدم اللغة الفرنسية.
يرى ديبلوماسيون أفارقة بأنه ليس مستغربا أن المفاوضين الأوروبيين شوهوا القرارات, حيث إن محاوريهم من دول المستعمرات السابقة الناطقين بالفرنسية بالكاد حصلوا من معاونيهم على ترجمة الوثائق التي يجب أن يبتوا بها.
بالمعنى الواضح للتضامن طالبت حكومات المستعمرات السابقة باتفاق يوافق الجميع يسبق افتتاح المفاوضات المنفصلة لمعاهدة الشراكة الاقتصادية الاقليمية.
عبثا, اليوم, ينظر المجلس الأوروبي إلى دول المستعمرات السابقة باعتبارها (بناء ضعيفا للتبادل المعلوماتي بهدف تحقيق التلاحم على مستوى المجموعة الأوروبية).
وقسم المجلس هذه المجموعة إلى ست مناطق, أفريقيا العربية, أفريقيا الوسطى, أفريقيا الشرقية والقرن الأفريقي, أفريقيا الجنوبية والكاريبي والباسيفيك.
وهذا التقسيم الاصطناعي لايتوافق مع المنظمات الإقليمية الموجودة.
منذ أيلول 2003 والاتحاد الأوروبي يتفاوض بشكل منفصل مع كل من هذه المناطق الست.
والمجلس يعاملها باعتبارها شريكا من أجل تنظيم تنافسها.
أي وبحسب التعبير المستخدم حاليا (لدمجها في نطاق التجارة العالمية)
وتسعى المفاوضات لتحل محل آليات تضامن اتفاقيات لوميه من خلال التسابق الاقتصادي والتجاري الذي تجعله منظمة التجارة العالمية متناغما.
كما يرغم اتفاق كوتونو الاقتصادات المطورة بشكل بسيط لتسير على قدم المساواة مع شركات الدول الأغنى.
والرؤية التي ينشرها الاتحاد الأوروبي عن العالم على غرار الولايات المتحدة تتمركز حول فكرة سيطرة التنافس.
تكرر دول المستعمرات السابقة بأن (قواعد منظمة التجارة العالمية القائمة لاتتمتع بطبيعة تسهل المباشرة باستراتيجيات تطور متلاحمة ضمن حدودها.
وينبغي أن تعدل بشكل يؤخذ فيه باعتبار وضع هذه الدول ومصالحها النوعية).
أما بخصوص المجلس الأوروبي فهو لايبالي ويطالب بالتطبيق الصارم للاتفاق العام للتجارة الخدمية ولاسيما إلغاء التقييدات عن الاستثمارات في المجالات الخدمية, في حين أن حجم الاستثمارات باتجاه دول المستعمرات السابقة عام ال¯ 2000 كانت تشكل 1,5% فقط من الإجمالي العالمي.
المقصود في الواقع حرمان هذه الدول حق اختيار المستثمرين الأجانب وتحديد أي نمط من الشركات عليها بناؤها, والأكثر من ذلك, بذل الاتحاد ما بوسعه بعد المفاوضات لفرض مالم يستطع الحصول عليه ضمن إطار منظمة التجارة العالمية وهو:
التنافس المتسم بالحرية وعدم التشويه, والأسواق العامة حيث يقصد أن تعامل الشركات الأجنبية والوطنية بنفس المساواة وأخيرا الاستثمار ويطالب هنا بعدم تعديل الأنظمة السارية في أغلب دول المستعمرات السابقة..
كثرت الدراسات حول الاتفاقات أحادية الجانب التي تتضمن شروط الاتحاد التي تم الإعلان عنها, وجميعها تماثل ميثاق عدم تعديل الاستثمارات الكثيرة.
حتى البنك العالمي اضطر للاعتراف بأن (دراسة تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة على مدى عشرين عاما من دول منظمة التعاون والتطور الاقتصادي للدول النامية لاتقدم دليلا على أن الاتفاقات الاحادية الجانب للاستثمارات أحدثت استثمارات إضافية).
من الواضح أن الشركات الأوروبية تعمل بحرية واسعة في أمكنة استثماراتها وتحصل على أفضل أرباح بغياب شروط الإجازة و التشريعات الاجتماعية والضرورات البيئية..
بالرغم من الرفض المتكرر للدول الأفريقية بمشاهدة طرح هذه المواضيع على طاولة المفاوضات إلا أن المجلس اجتهد لفرضها على دول المستعمرات السابقة بعد أن جزأها.
اجتمعت مئات الشركات الأفريقية في 21 حزيران 2004 في مابوتو (بموزامبيق) بناء على دعوة شبكة العالم الثالث الأفريقية وهي إحدى الشبكات العالمية الأكثر نشاطا, وتبنت التصريح الذي أدلي به.
واعتبر هذا التصريح وثيقة مؤسسة حقيقية للمقاومة الأفريقية إذ ندد بمعاهدة الشراكة الاقتصادية الإقليمية باعتبارها أداة هيمنة أوروبية على الأسواق المنبثقة, كما لو أنها اعتداء على الحقوق والتسيير الذاتي والهيمنة على المصادر وقدرات الدول.
وباعتبارها مهيجة للتوترات بين الفرق الأفريقية الصغيرة وكأنها رفض للاهتمامات الشرعية للدول الأفريقية التي تطالب بتغيير أنظمة منظمة التجارة العالمية.
ودعا هذا الموقف إلى تغيير جذري في العلاقات بين أوروبا ودول المستعمرات السابقة يرتكز على مبدأ (تحرير الشعوب الأفريقية).