كما رأى ذلك ذات يوم الشاعر شفيق الكمالي وجديد الشاعر العربي الكبير سليمان العيسى ديوانه الجديد الصادر حديثا عن وزارة الثقافة بدمشق تحت عنوان ( حكاية الازل ديوان دمشق).
فدمشق هي شاطئ التاريخ والشاعر عاشق ينام و رد الشام في كفيه في جفنيه في ضلوعه يعطيه ما يشاء من صوته ومن كل الذي يهجس في الضلوع.
ويربط الشاعر بين صنعاء ودمشق فهما حارستا التاريخ والورد صنعاء ودمشق توزعتا هذا السندباد العربي ( الشاعر ) وكلتا العاصمتين تمليان على الشاعر صنعاء تفعل ذلك ودمشق لكن دمشق تملي قبل صنعاء فهو منذ بدأ يبدد نفسه على الورق منذ أمسك بالريشة وراح يقطر عمره على الورق ويأتي الخاطر المبدع : لماذا لا يجمع هذا الذي قطره على الورق ? لم لا يجمعه في ديوان مستقل وهكذا كان الديوان الذي بين ايدينا ( دمشق حكاية الازل ) .
فدمشق كما يقدمها الشاعر هي حكاية الازل, اقدم مدينة لا تزال حية على الأرض جديدة بأكثر من شاعر واكثر من ديوان انها حكايتنا العربية التي لا تزال تعبق بالمجد والشعر والياسمين وتنتشر اريجها الخالد بين قرطبة وسور الصين وهذه ( الاضمامة الشاعرة لن تكون اكثر من وقفة على شاطئ التاريخ الذي لايزال يحملنا على جناحيه ).
ديوان دمشق يؤرخ للحظات تاريخية وانسانية يقدم الشاعر في قصائده صورة تحمل عبق الذكريات فها هي القصيدة الأولى المعنونة ب( اتحداك باسمها يا فناء) يمهد لها بقوله : القيت في الحلقة التكريمية التي اقيمت في دار المعلمين العالية ببغداد لطلاب البعثة العربية من الشام .
هازج صفقت له الصحراء فالمروءات جنة وانتشاء- امة الفتح لن تموت واني اتحداك باسمها يا فناء!
واذا كانت القصيدة السابقة نسيجا قوميا يتغنى بآلام وآمال الأمة ويقرأ طوالع الايام متحديا القادم مبشرا بالنصر الذي طالما انتظره وانتظرناه فاذا به .. اذا كانت تلك فاتحة الديوان فان قصيدة الجسر والمطر الهرم تهدى الى الصديق ( ص. أ) ذكرى زاويته الهادئة في المقهى والهرم بدمشق .
للجسر ( ومقهاه) الهرم
طيف في الخاطر لم يرم
صور تنثال على قلمي
شعرا.. لو مر على وتد
لتفجر نبع من نغم..
وفي دمشق عرف الشاعر طعم السجن في خمسينات القرن الماضي وكانت قصيدته الشهيرة ( مع المحقق ) يسأل المحقق من انت ويأتي الجواب :
انا شهقة المتضورين
طوى وانات الثكالى
اعرفت من انا ? واقفا
ابدو وبزاويتي خيالا ..
و في دمشق ثمة اماكن هي قطع من جنان الخلد ( دمر ) المصيف الشهير كيف يبدو في نظر الشاعر اذا تناغم الجمالان جمال المكان وصوت فيروز.
الحور والوادي
والنهر في دمر
والشاعر الصادي
والكأس المزهر
وصوتها الحادي
فاهدأ ولا تسكر
فيروز اغرودة
ام حلم عطشان ?!
جمال دمشق وسحرها وعطر ياسمينها قادم وتحدى الغارات الصهيونية وبدا الياسمين الابيض مضرجا بدم الشهداء فكانت قصيدة يا ياسمين دمشق :
تسقي من الازل السحيق وتسكر
ماذا أقول ? وأي خمرك أعصر?
وفي ديوان دمشق ثمة قسم مخصص للمسرح فقد قدم الشاعر المسرحية الشعرية ميسون , وقصة ميسون معروفة اذ قصت شعرها ومعها الكثيرات وجدلن الشعر وصنعن منه قيودا ارسلت الى خطيب (الجامع الاموي) سبط بن الجوزي فحملها يوم الجمعة وخطب في الناس خطبة حروفها من نار لاذعة ختمها بقوله : ( هذه والله ضفائر المخدرات , قطعنها في سبيل لله والوطن , فاذا لم تقدروا على الخيل تقيدونها بها , فخذوها ذوائب لكم وضفائر انها من شعور النساء ألم يبق في نفوسكم شعور! وألقاها من فوق المنبر على رؤوس المصلين فصاح الناس صيحة ما سمع مثلها ووثبوا يطلبون الموت).
وفي القسم الثالث من الكتاب يقدم فصلا من معالم مسيرة ذاتية على طريق العمر وتحت عنوان البدايات وفي الكتاب حديث شائق عن المفكر الارسوزي إذ يقدم فصلا من معالم سيرة ذاتية فالارسوزي كما يقول العيسى كان يهيىء لنا طعام الغداء بيديه في معظم الايام ,طعام الغداء كله كلمة كبيرة على ( حساء العدس) الذي كان يطبخه لنا الاستاذ يعاونه من يتخلف في البيت.. اما محمد البزم فقد كان اقرب الاساتذة الى قلوبنا والحديث للشاعر كان عربيا صميما يرى فينا بقايا من الصحراء تبحث عن نفسها في زحام القرن العشرين كان يحبنا كأولاده ويرى فينا صورة العروبة الصافية التي كان يحملها لغة وبيانا في صدره ويغرسها في تلاميذه.
ويختم الشاعر ديوان دمشق بقصيدته على قبر صلاح الدين وقد جاءت بعد ان قام ومجموعة من الشعراء عام 2004 م بزيارة الى مرقد صلاح الدين الايوبي فكانت القصيدة ومنها نقتطف قوله :
امد يدي الى الجمر المسجى
الى التاريخ , يرقد في سكون
صلاح الدين وانتفضت سيوف
من الأغماد .. عارية المتون
صلاح الدين .. قيل : عفت وبادت
خيولك .. تحت عجفاء السنين
وقل للغزو والغازين : اني
هنا .. ولألف حطين حنيني ..