ففي مطلع الخمسينيات، وبالتحديد في عام 1953، استقدم الأمير يحيى الشهابي فيروز والرحابنة إلى دمشق لتسجيل ألحانهم في إذاعتها.
وكان مدير الإذاعة آنذاك أحمد عسة من أشد المتحمسين لفيروز والرحابنة. فأعطى توجيهاته بالإكثار من إذاعة أغنيات فيروز بما فيها من نهج جديد راقٍ في الغناء العربي.
واستمع فخري البارودي إلى فيروز عبر الإذاعة. فانزعج منها ومن أسلوب غنائها وشن حملة عنيفة عليها وعلى عاصي ومنصور الرحباني. فقد كان فخري البارودي من عشاق الطرب القديم من موشحات وأدوار وقصائد. ولم يكن أحد في إذاعة دمشق يتجرأ على مخالفة فخري البارودي وأوقع موقف البارودي هذا إدارة الإذاعة في إرباك شديد.
لكن مدير الإذاعة أحمد عسة تفتقت قريحته عن خطة تجعل فخري البارودي يغير رأيه. فبعد يومين التقى أحمد عسه البارودي على باب الإذاعة مصادفة فقال له البارودي: شو ياأحمد..لساك مصر على هاللون الدخيل على الطرب الأصيل؟ لون الرحابنة وفيروز؟
وبكل هدوء أجابه أحمد عسه: أنا أنتظر مقابلتك يافخري بك، فقد اكتشفت فتاة شامية رائعة الصوت. جندناها لإحياء مدرستك الغنائية مدرسة الموشح والدور والموال. وكل مرادي أن تسمعها لتتأكد من أننا لم نتنكر للتراث الذي تحافظ عليه.
وسأله البارودي: ومااسمها؟
فأجابه مدير الإذاعة: إنها من عائلة محافظة وكان شرطها للوقوف أمام الميكرفون هو أن نتكتم على هويتها.
وذهب الاثنان إلى أحد استديوهات الإذاعة، وأدار أحمد عسة شريط تسجيل على مجموعة من الموشحات الأندلسية وعلى أغنية (إلى راعية) وبعد أن استمع فخري البارودي إلى الغناء، صرخ هاتفاً:إي هادا صوت..مو صوت فيروز اللي حاملو وداير فيه جنابك.. هادا الطرب الأصيل..
وهنا أجابه أحمد عسه:اسمع يافخري بك..هذا الصوت الذي سمعته الآن هو صوت فيروز..وهذه الأغنيات شغل الرحابنة.
فأسقط في يد فخري البارودي واستسلم للأمر الواقع، وفيما بعد أصبح من أشد المتحمسين لصوت فيروز وموسيقا الرحابنة.