أبو محمد (61-48)هـ (681-765م) تابعي مشهور وأصله من الري قرب طهران عاصمة إيران الحالية، إلا أن منشأه ووفاته بالكوفة، وقد كان عالماً بالقرآن والحديث والفرائض يروي نحو 1300 حديث على أنه كان نزقاً ضيق العطن يبغض الثقلاء والأدعياء.
وكان أصحابه يتآمرون عليه فيما بينهم يريدون أن يروه في حالات نزقة وضيق صدره ونفاد صبره، وعندئذ يكون منه ما يطرفهم ويضحكهم وهذا ما ينقله ابن الجوزي عن أبي بكر بن عياش الذي قال إنهم اتفقوا يوماً لا يخرج إليهم الأعمش شيئاً إلا أكلوه وقد ذهبوا لزيارته في منزله.
يأكلون حتى علف الشاة
وبعد أن وصلوا إلى هناك كانوا يلتهمون كل ما يخرجه إليهم، يقول أبو بكر:
فأخرج فتيتاً-أي فتة-فشربناه، فدخل فأخرج إجانة صغيرة وهي وعاء صغير يشبه الطست-وقياً وهو من طعام الشاة-وهي بقرة أو خروف- وقال: فعل الله بكم وفعل، أكلتم قوتي وقوت امرأتي وشربتم فتيتها، هذا علف الشاة..كلوا.
ويستطرد أبو بكر قائلاً: (1) فمكثنا ثلاثين يوماً لا نكتب فزعاً منه-وكان يملي عليهم بوصفه محدثاً كبيراً-ولم يصلح الأمر بينهم وبين الأعمش حتى كلموا إنساناً عطاراً كان يجلس إليه فصالحهم.
عندما كان يرى ثقيلاًمهما يكن من أمر فالظاهر أن الثقلاء كانوا هم المشكلة الأولى في حياة الأعمش، ولذلك فإننا نرى له أخباراً كثيرة معهم من ذلك مثلاً قول شعبة: كان الأعمش إذا رأى ثقيلاً قال له: كم عزمك تقيم في هذا البلد؟
ويذكر عمر بن حفص بن غياث أن أباه حدثه قائلاً: إن الأعمش قال له: إذا كان غد فاغد علي حتى أحدثك عشرة أحاديث وأطعمك عصيدة وانظر لاتجىء معك بثقيل، - العصيدة: رقيق يخلط بالسمن ثم يطبخ - ويتابع حفص محدثاً ابنه عمر فيقول: غدوت في اليوم التالي أريد الأعمش فلقيني ابن ادريس فقال لي: أين تريد؟ قلت: إلى الأعمش، قال: فامض بنا، فلما بصر بنا الأعمش دخل إلى منزله وأغلق الباب وجعل يقول من داخل: يا حفص لا تأكل العصيدة إلا بجوز..ألم أقل لك: لا تجئني بثقيل.
حتى أبو حنيفة لم يشفع
ويذكر السيناني أنه دخل مع أبي حنيفة على الأعمش فلم تشفع له صحبته الإمام الكبير ولم تنجه من لسان الأعمش، ذاك أنه قال له: يا أبا محمد وهذه كنية الأعمش لولا أني أكره أن أثقل عليك لزدت في عيادتك.
فقال له الأعمش: إنك تثقل علي وأنت في بيتك..فكيف إذا دخلت علي؟! (2)
وينقل ابن الجوزي حادثة تؤكد زهد الأعمش بالمظاهر واعتزازه بفقرة مع علمه الغزير وإن تكن هذه الحادثة قد سبق أن نسبت إلى آخر.
الأعمش في العرس
يروي هذه الحادثة جرير الشاعر الكبير فيقول: دعي الأعمش إلى عرس فنشر فروته-أي وضعها عليه- ثم جاء فرده الحاجب فلبس قميصاً وإزاراً وجاء فلما رآه الحاجب أذن له فدخل وجاؤوا بالمائدة، فبسط كمه على المائدة وقال يخاطبه: كل فإنما أنت دعيت ليس أنا..
وقام..ولم يأكل.
وكره الأدعياء أيضاً
ولم يكن الأعمش ليضيق ذرعاً بالثقلاء فحسب بل الأدعياء أيضاً وهذا ما ذكره حفص بن غياث إذ قال: رأيت إدريس الأودي جاء بابنه عبد الله إلى الأعمش فقال: يا أبا محمد هذا ابني إن من علمه بالقرآن، إن من علمه بالفرائض، إن من علمه بالشعر، إن من علمه بالنحو، إن من علمه بالفقه..والأعمش ساكت ثم سأل الأعمش عن شيء..فقال له:سل ابنك (3).
الهوامش
1-أخبار الظراف والمتماجنين-ابن الجوزي ص32
2-المصدر نفسه ص34
3-المصدر نفسه ص34