تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


المنتصر والخاسر في العام 2013

الأحد 6-1-2013
د. سلوى خليل الأمين

هي اللحظة القاسية، حين نغادر مع أعمارنا عاما لنزيد فوقها عاما آخر، حيث ساعتئذ نكتب بحبر المساء على دفاتر العمر قصائدنا الحزينة،

فالوداع صعب يعفر الوجوه برذاذ الدمع والأنفاس الحارقة المتطلعة إلى مملكة الشمس وامبراطوريات البحار، حيث بني البشر يدمنون العصف الشرير، والثورات المربكة، والانتفاضات المتوحشة،  إلى جانب الاستمتاع في شرب نبيذ المواسم التي تصيب العقل بحالات الجنون.‏

لقد مر العام 2012 وسورية غارقة في الدماء، تتنشق القهر من ظلم ذوي القربى وغدر الأهل والخلان والأصحاب والأشقاء، الذين رموها بكل الأبجديات وتعابيرها القاسية، بهدف رسم تهجؤات أحلامهم على أسوار جبل قاسيون، وفوق هامات مآذنها المباركة، وعلى أوتار رنين أجراس كنائسها وتراتيلها الحنونة، التي لم تعرف الصمت الذي لم يرسب يوما في الامتحان العسير في حارات سورية، حيث الحكايات في لدنها هي الباقية على مراح زمانها العريق وعلى متون صحائف تاريخها المجيد، التي رفعت وما زالت ترفع للغادين والآتين علامات النصر فوق أمداء السنين، حيث لن يتمكن ظالم أو عدو أو ملتح كاذب ومنافق من إطفاء قناديل المساءات الدمشقية، والحلبية، والحمصية، والدرعية وغيرها من مدن وبلدات سورية النبض والهوى، تلك التي انتصرت في ما مضى على غشاوات العقول والقلوب المغفلة، المغلقة على نتوءات الزمن المتقلب باستمرار، وما زالت لتاريخه تقدم الشهداء الأبطال، وتشد السواعد بقوة الصبر والإيمان، دفاعا عن كرامة الأرض.. والعرض.. والشرف الرفيع.‏

سورية أنت اليوم تدخلين العام 2013 وأنت القابضة على الجمر في زمن الفجور المستهلك طولا وعرضا، لأنك مصرة على البقاء شامخة ووفية للعهد والوعد، فالعهد هو أصالتك العربية التي ضممت رياحينها إلى ربوعك فجعلتها ربيعا دائما لا يشبه ربيع الآخرين المشعوذين، أما الوعد فهو ما تمسكت به أبد الدهر، حين أقسمت يمين الانتماء لأمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة.‏

منذ عامين وهم يوجهون السهام إلى صدرك بإجرام لم يشهد التاريخ مثيلا له، ظنا أن المؤامرة ستمر كسحابة ربيع، ونسوا أنك المختلفة دائما، المختلفة في الانتماء للعروبة، وفي أصالة حضارتك التاريخية والمجد المكتوب في الكتب، والقوية  الشديدة البأس عند الصمود في وجه الأعداء، والصادقة المؤمنة عند التصدي لكل من يتجرأ على كرامتك وكرامة العرب أجمعين.   لقد صبرت والصبر مفتاح الفرج، لأن الحق معك، وليس مع من تصوروا أن باستطاعتهم إقامة إمارة إسلامية تمتد من تونس حتى ليبيا ومصر وتصل إلى سورية ومنها إلى العراق فالأردن التفافا إلى بلادهم المعممة بالسواد، ونسوا أنك لست لقمة سهلة المنال يمضغونها كاللبان في ليلة شعوذة. ها هم اليوم يشهدون أن ربيعهم الحالم قد تحول خريفا غافيا على عتبات واشنطن التي أصابتها الدهشة من قوة سورية على الصبر والصمود رغم العقوبات الاقتصادية ورغم شراسة هذه الحرب الكونية التي تزعمتها أميركا في ليلة غفلة، ظنا منها أن ممرات النفط والغاز ستبقى تحت السيطرة، متناسية أن سياسة القتل والذبح والتدمير والحرق لم تكن يوما فعلا قائما في روزنامة العمل السوري الوطني،‏

لأن سورية الدولة العربية الوحيدة التي آمنت بالإنسان، حيث لا إكراه في الدين، ففيها يتآخى المسلم والمسيحي والعلماني بصيغة وطنية موحدة، حيث لا تمييز بين الطوائف ولا تفرقة مذهبية باسم الدين، بل عيش آمن مستقر، قل نظيره في  تشابكات التعددية الدينية التي أدخلت أوروبا في حروب مدمرة، فسورية.. درب الرسالات السماوية التي و»قبلتها» الامنة، وستبقى  .. والتاريخ يشهد، وسيشهد على أن العام 2013 هو عام النصر لسورية وعام الإنكفاء والخسارة المدمرة لأعدائها، لأن المخطط الأسود قد هزم على عتباتها، بسبب صلابة موقفها من رأس الهرم حتى أدناه،  ما جعلها الانموذج الحي لفشل تفاهمات المتأمرين الذين ضخوا المال والسلاح والمرتزقة من كل أقطار العالم من أجل إخضاع السوريين بالضربة القاضية، ونسوا أن الخسارة أسرع من أصواتهم وصراخهم الذي يصم الآذان حاليا بالقول: خلصونا من المأزق السوري.‏

فمنذ قمة المكسيك التي جرت بين الرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الروسي بوتين قبل الانتخابات الأميركية وما تسرب منها بفضل مذياع حمل السر إلى العلن، والإحباط الأميركي بدا واضحا، خصوصا أن الموقف الأميركي قد بدأ حاليا في حالة الانسحاب المتدرج من الأزمة السورية، فإدارة أوباما تعاني من أزمة فرض الضرائب على الأغنياء لضمان حلحلة الأزمة الاقتصادية الخانقة وإنقاذها من الوقوع في الهاوية، خصوصا أن التغييرات الكبيرة والخطرة قد قلبت الموازين العالمية وأسقطت الأحادية الكونية، بحيث أطلت روسيا والصين والهند وإيران كدول عظمى لها شأوها الاقتصادي والعسكري والمالي، والدليل هذه المناورات الروسية والإيرانية التي يشهدها العالم حاليا، والتي عجلت في جعل  الحسابات التآمرية الخاطئة من أجل تفتيت سورية.. تنقلب رأسا على عقب.‏

فها هي سورية على قاب قوسين أو أدنى من رفع شارات النصر.. لقد بدأ العد التنازلي، وقد حدثني أحدهم من واشنطن قائلا: ما أغبى الولايات المتحدة، ما زالت تصدق الأعاريب الذين لا هم لهم سوى تبذير أموال شعوبهم على ملذاتهم وتعدد النساء وكثرة الأولاد، إن الشعب الأميركي متعاطف مع سورية، ويحترم قائدها العصري الشاب، الذي سارع إلى إدخال المعلوماتية في عهد والده إلى سورية، جاعلاً الشباب السوري على تقارب مع العالم الآخر عبر الحوار المدرك والمتفاعل مع احترام الرأي الاخر، لقد أدخل الرئيس بشار الأسد سورية إلى العصر المتطور فهو الداعي الأول للتغيير منذ تسلمه مهامه الرئاسية مع كل الفساد الذي ورثه من الحقبة السابقة، لقد أعطوه اليوم الفرصة الكبرى، وإن كانت مؤلمة عليه، لتنفيذ أماله وطموحاته بالتغيير، فهو من مشجعي الشباب على الوصول إلى موقع القرار، نحن نعلم أنه الوحيد بين قادة العرب الذي مازالت فلسطين بوصلته، لهذا نحترم وطنيته وعنفوانه وصبره وصموده لكنها لعبة الامم وصراع البقاء، الذي وضعنا في اتون من الفشل لم ندركه، هكذا الحروب تعرفك على القادة الأبطال، الذين يبقون الضمانة الأكيدة للتعاطي الصادق والمنتج، لقد أصبحت الإدارة الأميركية على بينة أن قيام الدولة الفلسطينية يجب أن يطرح وبقوة، وها أنتم تشهدون التعيينات الأخيرة في الخارجية والدفاع، اليوم المطلوب الاعتدال واحترام الشعوب فمنطقة البحر المتوسط من شواطىء «إسرائيل» أي فلسطين ولبنان وقبرص تضج بالغاز والنفط والمطلوب زرع الأمان في المنطقة الذي تشكل سورية جزءا منها، لهذا ستتحرك مفاوضات السلام ونعلم أن بشار الأسد مع سورية الصامدة الخالية من جماعة النصرة والقاعدة هم حجر الرحى، لقد خسرنا المعركة، وفي القريب العاجل ستشهدون المخاض الأخير.. لولادة ستتم بخير.. وإن كان النزف الدموي كبيرا وكبيرا جدا.    ‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية