حيث نشرت له عشرات الكتب ومئات المقالات في صحف عالمية عديدة . وفي جميع كتاباته , بقي تشومسكي ناقداً شرساً لسياسات أمريكا الداخلية والخارجية معاً , إلى جانب انتقاده للصحافة الأمريكية التي اتهمها في كتابه صناعة القبول بتدجين الرأي العام وضمان عدم تجاوزه ماتنشره الصحافة وتبثه محطات التلفزيون والإذاعة لما تسمح به النخبة السياسية المسيطرة . وكعادته دائماً فهو يؤكد في أن حرية مناهضة السلطة والقائمين عليها , ليست فرصة متاحة للمرء , إنما هي مسؤولية لامفر من ا لاضطلاع بها, ورغم مرارة النقد الذي يوجهه تشومسكي للأوضاع القائمة في بلاده ,فإنه ظل على قدر كبير من التفاؤل بقدرة الأميركيين على تغيير واقعهم , طالما أن التاريخ يعلمنا أن الحقوق لاتمنح على طبق من ذهب , بل تنتزع انتزاعاً .
ينتقد تشومسكي - في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز في الآونة الأخيرة مبدأ الضربات الاستباقية الذي يتبناه الرئيس بوش , وشكل أساساً لتدخلات أمريكا الخارجية اللاحقة لهجمات الحادي عشر من أيلول . ويذكر أن الرئيس الأسبق - جيمي كارتر - كان قد وصف إدارة بوش الحالية بأنها الأسوأ في التاريخ الأمريكي على الإطلاق , لاسيما أنها تبنت مبدأ الضربات الإستباقية ذريعة للتدخل في شؤون الدول , أكثر من كونه أداة لحماية الأمن القومي الأمريكي .وفي هذا المقال تحت عنوان الحادي عشر من أيلول يكشف - تشومسكي - الاتجاه العام للتحليل الذي يهم القارئ العربي , ويتصدى أيضاً للسؤال الذي أثاره بوش : لماذا يكرهوننا? والضمير هنا عائد إلى العرب والمسلمين بالطبع . وحسب تشومسكي - فإن مجلس الأمن القومي أجاب عن هذا السؤال منذ خمسين عاماً مضت في ظل إدارة الرئيس الأسبق - ايزنهاور - إذ يكمن السبب , في أن واشنطن واصلت سياساتها, طمعاً في موارد نفط الشرق الأوسط الهائلة وقال: إن مواطني الشرق الأوسط لايختلفون اليوم كثيراً عما كانوا عليه في السابق من عشق الحريات وكراهية سياسات أمريكا في وقت واحد. وهم الى ذلك محقون بالنظر إلى بلادنا باعتبارها دولة إرهابية فهي كذلك حقيقة!! وأعاد - تشومسكي - أصل الشعور بالكراهية تجاه أمريكا في الشارع العربي والإسلامي إلى دعم واشنطن الثابت للسياسات الوحشية القمعية التي تنتهجها اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني وليس ذلك فحسب , بل إن واشنطن هي من ساعد اسرائيل على ابقاء الصراع الدائربينها وبين الفلسطينيين دون حل طوال الستين سنة الماضية , حتى تتحقق لها السيطرة الكاملة على أرض فلسطين, أو أن تفرض على الفلسطينيين من الشروط مايرغمهم على الإذعان للعيش في جيوب وكانتونات صغيرة لاتمثل أدنى قيمة لإسرائيل .
أما في العراق , فقد أسهمت اثنتا عشرة سنة من العقوبات السياسية والاقتصادية التي فرضت عليه بقيادة أمريكا ,في كسر ظهر الشعب العراقي الذي بلغت فيه الوفيات جراء العقوبات حوالي مليون ونصف المليون عراقي . وكانت هذه السياسات , والتي وصفها تشومسكي ب سياسات الإبادة الجماعية الأميركية كافية لإلهاب مشاعر الشارع العربي والإسلامي ضد واشنطن , ثم جاء الغزو الأميركي للعراق في عام 2003م ليزيد الطين بلة ويحصد من أرواح العراقيين مايقارب المليون شخص, وبدلاً من أن تجعل الحربيان اللتان شنتهما واشنطن على كل من العراق وافغانستان العالم أكثر أمناً وسلامة , كما زعمت إدارة بوش , فقط جعلت الحربان العالم أشد خطراً, حيث أكدتا للعالم بكامله صعوبة الفوز بأي منهما , والأسوأ من ذلك أن البلدين تحولا إلى مرتع خصب إضافة لاستقطاب المزيدمن المتطرفين والإرهابيين , إضافة الى استقطابهما المزيد من كراهية العالم بأجمعه لسياسات أمريكا وحلفائها في هاتين الحربين .ووفقاً للكاتب ,فإنه لاسبيل لانحسار هذه الكراهية أو لتحسن صورة أمريكا عالمياً إلا بتبني واشنطن سياسات خارجية جديدة, تضع حداً للاحتلال غيرالشرعي لكل من فلسطين والعراق وافغانستان .
إضافة الى ذلك , فإن الحل الوحيد الممكن لقضية الإرهاب إجمالاً هو كما قال -يوسوشافت هركابي - رئيس المخابرات الاسرائيلية قبل 25 عاماً أن يمنح الفلسطينيون وغيرهم من الشعوب المضطهدة حق تقرير مصيرهم , وأن ترد إليهم حقوقهم وكرامتهم المسلوبة , والسبيل لوضع حد لحروب العالم جميعاً هو احترام الحقوق المدنية والإنسانية للبشر أينما وجدوا. ومن دون احترام هذه الحقوق , فمن الطبيعي أن تستمر المقاومة وتبقى الكراهية للمحتل وتدخلاته الاخطبوطية في مكانها.