الذي توصل إليه الطرفان خلال زيارة الرئيس بوش لنيودلهي في آذار 2006 والذي شكل في حينه تغييراً ثورياً في القواعد الحاكمة للانتشار النووي, وبمصادقة الكونغرس الأميركي على الاتفاق هذا, فإنه سيضع حداً لعزلة الهند النووية, وذلك على الرغم من أن البلد لم يفتح منشآته النووية العسكرية للتفتيش الدولي.
وقد وقعت الولايات المتحدة والهند يوم الثلاثاء 7 تشرين الأول الجاري اتفاقاً نووياً سيتيح لنيودلهي الحصول على التكنولوجيا النووية المدنية الأميركية للمرة الأولى منذ ثلاثة عقود.
وتولى التوقيع وزيرة الخارجية الأميركية كوندو ليزا رايس وزيرة الشؤون الخارجية والهندي براناب موخيرجي بعد سنوات من المفاوضات الشاقة, وكان الاتفاق أثار انتقادات من أنصار منع الانتشار النووي.
وأشار موخيرجي, قبل أن يوقع الاتفاق, إلى فرص الأعمال التي تنتظر الشركات الأميركية قائلاً: )نحن نتطلع إلى العمل مع الشركات الأميركية لتحديد الخطوات التجارية لتنفيذ هذا الاتفاق التاريخي(. وكان الرئيس الأميركي جورج بوش قد وقع الأربعاء الماضي القانون الذي أقر هذا العقد التاريخي للتعاون النووي المدني خلال احتفال أقيم في البيت الأبيض.
لاشك أن هذا الاتفاق سيدخل هذا البلد الآسيوي في مصاف نادي القوى العظمى النووية المعترف بها, وبمباركة أحادية الجانب من جانب بوش الذي لم يكلف نفسه حتى عناء التشاور مع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن, ناهيك عن إشراك المنظمات والهيئات ذات العلاقة, وعلى رأسها الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي اقتصر دورها ودور مديرها العام محمد البرادعي على مجرد التعليق على ماحدث, تعليقاً إيجابياً مُشيداً.
وكان الرئيس بوش أبدى تفاؤله في قدرته على إقناع الكونغرس بإنهاء الحظر التكنولوجي الأميركي على الهند, منذ إجرائها تجارب نووية, وصولاً إلى تطويرها سلاحاً ذرياً, الأمر الذي استغرق 30عاماً, ورأى أن الاتفاق الجديد يسمح بتذليل عقدة استمرت عقوداً, )علماً أن الشراكة الممتازة مع الهند في موضوع حظر الانتشار النووي تكرست طيلة العقود الماضية(.
في مقابل الفصل بين برامجها النووية المدنية والعسكرية, ستحصل الهند من الولايات المتحدة الأميركية على نقل التكنولوجيا النووية, وإمدادات مستمرة من الوقود النووي لتلبية احتياجاتها المتزايدة من الكهرباء, ولتطوير صناعتها ومنشآتها العسكرية بمعزل عن أية رقابة, شرط أن يوافق الكونغرس الأميركي على هذا الاتفاق, وكانت الهند محظورة عنهما بسبب عدم توقيعها على معاهدة حظر الانتشار النووي حتى الآن, وبموجب هذا الاتفاق وافقت الهند على وضع 14 من مفاعلاتها النووية من أصل 22 مفاعلاً نووياً هندياً على أنها مفاعلات مدنية, تحت الإشراف الدولي, ويعتبر هذا التنازل من جانب الهند طفيفاً وشكلياً, إذ يتمثل في إخضاع منشآتها النووية المدنية للرقابة.
ويعتبر هذا الاتفاق تغييراً كبيراً في السياسة الأميركية بشأن حظر الانتشار النووي.
فهناك قانون أميركي يحظر تصدير التكنولوجيا التي يمكن أن تساعد البرنامج النووي لبلد لم يوقع على معاهدةحظر الانتشار النووي, وكانت واشنطن فرضت عقوبات على الهند بعدما قامت هذه الأخيرة بالتفجيرات النووية في العام 1998,علماً أن واشنطن قادت طوال 35 عاماً جهود عزل التكنولوجيا النووية الهندية, وعدم الاعتراف بها كونها انتهكت الأعراف الدولية عبر إجراء تجارب نووية وتطوير أسلحة, وفي السابق, تراجعت واشنطن عن اتفاق تمنح بموجبه الوقود للمفاعل النووي الهندي تارابور (الذي سلمته الولايات المتحدة) بعد أول تفجير نووي هندي لعام 1974.
التقارب الأميركي- الهندي يحمل في سيرورته بعداً استراتيجياً, إذ يدخل في سياق مواجهة الصين القوة العظمى الآسيوية الأخرى, حيث تبدو الهند في نظر الدول الغربية القوة الموازية لها التي لايجوز تجاهلها.. فبعد عقود من تجاهل الهند بسبب الدور الريادي الذي لعبته في حركة بلدان عدم الانحياز التي كانت قريبة جداً من الاتحاد السوفييتي سابقاً, ها هي الولايات المتحدة بعد نهاية الحرب الباردة, وبروز الصين كقوة عظمى على المسرح العالمي.
وها هي الولايات المتحدة الأميركية في ظل إدارة بوش التي تتصرف وفق ما تقتضيه مصالحها الامبراطورية ذات البعد الأناني الضيق وفي تناقض كلي مع ماتنادي به من منع لانتشار أسلحة الدمار في العالم, في سبيل مراعاة مصالحها بأكثر المعاني ضيقاً: محاصرة القوة العظمى الناشئة الصينية, أو ما شابه ذلك من مثل هذه الهواجس والحسابات الاستراتيجية.
إن الاختلاف في التعاطي مع الهند وإيران يظهر لنا على أي حال القناعات الراسخة منذ زمن بعيد لدى الاستراتيجيين الأميركيين, من أن خطورة السلاح النووي ليست تقنية, وإنما سياسية, إذ إنها متعلقة بطبيعة الأنظمة السياسية التي تمتلكها, فالتبرير الأميركي يقول: إن الهند دولة ديمقراطية كبيرة وعريقة, ولاسيما أنها دولة مسؤولة يمكن أن نثق بها لدعم الاستقرر, بينما إيران دولة ثيوقراطية تشجع الإرهاب وتهدد جيرانها.
< كاتب تونسي