تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


في ملتقى جرائم الشرف......الرؤيتان الدينية و القانونية و الموروث الاجتماعي

مجتمع
الأحد 19/10/2008
ميساء الجردي- براء الأحمد

منذ ستة عقود صدر قانون العقوبات السوري أي في عام 1949 الذي تناولت بعض مواده قواعد التجريم والعقاب في موضوع يُعرف اليوم بمصطلح جرائم الشرف.

وبغض النظر عن المواقف السلوكية والاجتماعية والثقافية والتربوية الذي صدر في ظلها القانون في ذلك الوقت, فنحن الآن أمام متغيرات عامة وخاصة أنها تتعلق بالمجتمع, وبالمرأة والأدوار المختلفة التي تعيشها.‏

فهل ستبقى الأمورعلى حالها? وهل سيبقى القاتل يمارس دور الدولة في التحقيق والإدانة وفي تنفيذ العقاب لمجرد الشبهة أولأهداف أخرى تحت اسم العار والشرف?.‏

تساؤلات أخرى كثيرة طرحت على ساحة الملتقى الوطني حول جرائم الشرف عبر سلسلة من الآراء الصادرة عن رجال الدين الذين يمثلون جميع المذاهب وعبر نخبة من رجال ونساء الفكر والقانون وعلم الاجتماع.‏

الثورة كانت هناك ورصدت جميع هذه الآراء, ونظراً لكثرتها وكثرة المناقشات التي دارت حول هذه القضية اخترنا مجموعة من الآراء البارزة في محاولة للإجابة عن : - أين نضع جريمة الشرف? وهل يلحق الأديان أثر من الجريمة, وما أثر التقاليد في شيوع هذه الظاهرة وإلى أي مدى كان القانون مقصراً في مواجهة هذه التحديات? وهل يجب تعديل المادة 542 أم إلغاؤها أم تركها كما هي?.‏

نبدأ بتثقيف أبنائنا‏

الدكتور أحمد بدر الدين حسون- المفتي العام للجمهورية يرى أن مايحكم به على الإنسان هو عادات حوّلت إلى عبادات ومايسمى جرائم الشرف ليس من العادات ولا بالعبادات, هي من انحراف المجتمع وجاء الإسلام ليضع قانوناً منظماً وهناك ضوابط لكل علاقة إنسانية ولكل تهمة من التهم, ولهذا فإن المذاهب واحة واسعة لتخرجنا من الضياع, فوضعنا سدوداً تمنعنا من الاتصال ببعضنا بعضاً, مع أن العقائد مرتبطة بالإله وهي واحدة, والعادات مقننة داخل ساحة الشريعة وسماها الشرع العرف ولكن العرف منضبط في مظلة القانون وليس العرف مايهواه الإنسان في حياته, فكثير من الأعراف بائدة وليست سائدة لهذا مانطالبه اليوم تثقيف أبنائنا في المجتمع, والشرف والأخلاق تصانان بالتربية والسلوك لابالأحكام والحدود, ونبدأ من التربية السلوكية من البيت إلى المسجد وإلى الكنيسة والجامعة عندها لن نجد تلك الظواهر, وينصح د. حسون الأمهات والآباء أن ينتبهوا لأبنائهم لأن هناك اختراقاً من الفضائيات تتحدث باسم الدين والعادات والطوائف لاعادتنا إلى عصر الظلام الفكري والتقوقع الثقافي وهم أول من يمنع أي انحراف للطفل في حياته.‏

نعيد النظر بالقوانين‏

ويؤكد د. حسون ضرورة إعادة النظرفي الكثير من القوانين وسيكون لها دور في تعديل القانون في المذاهب الإسلامية, ومع احترامي للقيادات الدينية والقانونية في المجتمع حتى الآن لا تتجرأ في كثيرمن الأحيان البحث والخوض في كيفية تطويرفهمنا للشريعة وللقانون وليس كيف نطورهما. وهذا الملتقى سيكون خطوة في الطريق لنشرالثقافة وتطوير القوانين وبوجود أهل الاختصاص والجيل الذي يتعلم منهم.‏

العودة إلى القضاء‏

فضيلة الشيخ حسين جربوع قال: كيف لإنسان أن ينصب نفسه قاضياً وكيف أعطى لنفسه هذا الحق, وأقول لمثل هؤلاء ويل لكم من رب العالمين وعلينا كل منا في مجتمعه ومحيطه الديني أو المذهبي أو الجغرافي بالعودة إلى القضاء حصراً وإن المحاسبة وإنزال العقوبات القانونية بحق كل من يخالف القانون هو الرادع القانوني, وإذا كانت النصوص القانونية قاصرة فيجب تعديلها وإذا كانت موجودة فيجب تفعيلها, وقضاتنا هم قدوة يجب أن نثق بأحكامهم.‏

الوازع الديني‏

وبدوره فضيلة الشيخ غزال غزال قال: نهى الله تعالى البشرية عن اقتراف الجريمة وحذر من سوء المصير وقال )الزانية والزاني فاجلدوا واحد منهما مئة جلدة.. وتختلف العقوبة باختلاف الجريمة, فالقتل لمن قتل وغصب المال وقطع الأيدي والأرجل من خلاف لمن غصب, والنفي من الأرض لمن أفسد, ولهذا فإن الشرع يظل قوياً ولا تحريف فيه ولاتبديل والحاكم والقاضي سواء في شرع الله تعالى والخضوع له.‏

وإن الوازع الديني والأخلاقي المتين يلازم المرء في تفكيره ويساعده على التحلي بمكارم الأخلاق لمراقبة النفس ومحاسبتها غير أن الإيمان هو الضمان الأسمى لاحترام القانون السماوي.‏

وقدغلب الهوى على العقل فنتج ازدياد الجرائم والإدمان على المخدرات.. والسبب في ازدياد جرائم الشرف حالياً في ظل التطور وضعف الرعاية على المراهقين, وإن للشرع دوره الفعال في التعامل مع هذه الجرائم, والأسرة هي الخلية الأولى في المجتمع الإنساني لمراقبة أفرادها وإعمال مبدأ (درهم وقاية خيرمن قنطارعلاج).‏

هو انتقام وليس قصاصاً للإصلاح‏

البطريرك اغناطيوس الرابع هزيم قال: كفانا ندّعي أننا نعرف الحق ولانفتح باباً لتوبةالخاطىء فالتي تقتل كيف يمكنها أن تعود عن أخطائها, فهذا انتقام وليس قصاصاً للإصلاح, والقوانين الإنسانية تذهب أمام الأحكام الإلهية والمرأة والرجل مخلوقان على صورة الله المثلى التي لايمكن لأحد أن يمحوها.‏

ترخيص للرجل بالقتل‏

إن الدساتير والقوانين أوجدها الإنسان لخدمته وتنظيم حياته وحقوقه لالتكون سبباً في إلغائهماولاسيما(حق الحياة). المحامية ميساء حليوة تساءلت: إذا كان الأساس الذي قامت عليه جرائم الشرف هو تطاول المرأة على قيم العفة والفضيلة, ألايشكل ارتكاب الرجل لهذا الجرم تطاولاً على قيم العفة, فالمرأة هنا تقتل مرتين الأولى عندما أزهقت روحها في حياتها والثانية عندما لوثت سمعتها بعد مماتها, والقانون في المادة 319 نص على العقوبة من شهر إلى سنة لكل ما من شأنه أن يعوق السوري عن ممارسة حقوقه, ولكن في الوقت نفسه يقضي القانون بكل عقاب لمن يحرم مواطنة سورية حقها في الوجود, من حيث يعطي أحكاماً مقدمة بالبراءة للجناة, وليعزز بذلك القانون مفهوم جرائم عن طريق العقوبة المفروضة على القاتل والتي تعتبر ترخيصاً بالقتل للرجل الذي يعتقد من وجهة نظره أن المغدورة قد خرقت القيم.‏

من حيث قانون العقوبات الحالي 1949 قد استمد من القانون اللبناني الذي بدوره استمد من العثماني الذي استمد من الفرنسي (قانون نابليون لعام 1810) والذي تعرض للتعديل والإلغاء في البلد الذي أصدره, حيث إن الدستور السوري 1973 نص في المادة 153 أن تبقى التشريعات النافذة والصادرة قبل إعلان هذا الدستور سارية المفعول إلى أن تعدل بما يوافق أحكامه, فمن غير المعقول وجود بعض النصوص منه تخالف التوجه القيمي والقانوني والأخلاقي والإنساني.‏

لن نهدر جهودهم‏

وفي تصريح خاص للثورة أكدالأستاذ محمد الغفري وزير العدل أن الملتقى يندرج ضمن الحراك الاجتماعي والقانوني الذي تشهده سورية وتعيشه تطويراً وتحديثاً, وبالتالي سنترك المعنيين والمختصين والباحثين ورجال الدين والقانون يتداولون أدق التفاصيل المتعلقة بهذا الموضوع وبالتالي إن احتاج قانون العقوبات لتعديل فيمكن تعديله.‏

وقال: من أبرز مايمكن الأخذ عنهم ومنهم هم رجال الدين وعلماء الشريعة ورجال القانون والباحثون ولايمكن أن نهدر مايخلص إليه هؤلاء.‏

لايمت لجرائم الشرف‏

ومن أعضاء مجلس الشعب التقينا المحامي غالب عنيز عضو اللجنة الدستورية والتشريعية في المجلس فقال: ربما لدينا قضايا أهم وأعمق وأحق بالمناقشة من هذه القضية التي لا تكاد تعد الحوادث التي تجري بها على أصابع اليد ولكن مادام الموضوع يبحث ويناقش فلا بد أعضاء مجلس الشعب أن يدلوا بدلوهم وكان رأيه: الفيلم الذي عرض في بداية الملتقى لاينطبق على المادة 548 التي يناقشون تعديلها أو ربما إلغاءها, ونص المادة واضح وصريح في موضوع المفاجأة, حيث وضع لها شروط متعددة أوجبها المشرع ووردت في الاجتهادات القانونية.‏

ويرى أن الموضوع طرح بشكل عاطفي وكأنهم ينقلون لنا فكرة ربما مأخوذة من الغرب, وبالتالي يجب أن نعمق مفهوم الشرف بالبحث لأن مايطرحونه لايمت إلى الجرائم ولا إلى الشرف, ولكن هناك قضايا تتعلق بالدفاع عن الشرف هذه القضايا لها أسبابها, ولها نصوص قانونية يعمل بها.‏

وبالتدقيق نجد أن جزءاً كبيراً مما يطرح هو أفكار من الموروث وجزءاً منها يتعلق بعنف المرأة ضد المرأة, فزوجة الأب (بحسب الفيلم) هي التي حرضت على قتل الفتاة.‏

وبالنهاية يجب أن نعلم أين نوجه أفكارنا حتى لانقع في مطبات وبما لاتؤدي الغرض المطلوب من النصوص القانونية.‏

إلغاء المادة وتثقيف الشباب‏

الدكتورة كنداالشماط من كلية الحقوق قالت: أنا مع إلغاء المادة548 ومع تعديل نص المادة 192 والعمل على تفعيل دور الخطاب الديني حول ضرورة تحقيق احترام المساواة بالحقوق بين النساء والرجال.‏

فمثلاً حالة التلبس لها شروط محددة ومنها معيار (حالة الشك والريبة), وهذا معيار مطاط غطى الكثير من الجرائم تحت اسم الشرف والكارثة, إن هناك الكثير من الجرائم ارتكبت ولم تصل إلى حالة الشكوى أو التبليغ عنها.‏

وعليه فهي ترى أنه يجب إلغاء المادة لأنها خصصت لتبرير قتل النساء مع إعادة تثقيف للشباب حتى لانصل إلى نسبة كبيرة من هذه الجرائم.‏

مازال العرف أقوى من القانون‏

ومن المنظمات السيد عارف الشيخ, منسق اليونيفم: كان يجب أن يطرح هذا الموضوع من فترة طويلة لأن الخطيئة لايحاسب عليها الفرد بذاته فهناك محكمة وعدالة وقانون هو الذي يضع العقاب.‏

أما قضية جرائم الشرف, فهي ثنائية الأبعاد منها اجتماعي ومنها قانوني وبتقديري العرف الاجتماعي أقوى من القانوني.. لكن يجب ألا تعاقب المرأة على ارتكاب الخطيئة ويترك الرجل دون عقاب والقانون يجب أن يسري على الجميع, والمجتمع بصراحة يتساهل مع الرجل في هذه القضايا وبسبب الإعفاءات الكثيرة لأسباب اجتماعية أو نفسية يشجع الرجل على ارتكاب الجرائم.‏

القانون ثمرة وعي‏

الدكتورة رشا شعبان من التربية قالت: يجب أن يتغير القانون بفعل المتغيرات الاجتماعية والمستجدات العلمية ونحن نسأل من البيئات التي تنتشر فيها هذه المشكلات? هل هي البيئات المتحررة التي تثقف الفتاة وتطورها وتحملها مسؤولية إمكانية اتخاذ القرار بأن تحافظ على نفسها, وألا يحدث ذلك بسبب الخوف من القانون?.‏

لأن القانون هو ثمرة الوعي وليس القانون يفرض ثم يفرض الوعي فهناك قوانين كثيرة تخص المرأة ولايعمل بها بسبب سلطة الموروث وبالتالي علينا أن نحرص للوصول إلى مجتمع متقدم ليكون القانون ثمرة الوعي.‏

الخلل في القيم‏

أ. الدكتورة أمل الأحمد: طلبت حذف كلمة شرف واستبدالها بجريمة القتل أو الجهل أو التخلف أو التعصب وسجلت توصية تقول بضرورة اتفاق فقهاء الإسلام والمسيحية والحد من الهيمنة للفكر الأحادي, معالجة الخلل الحاصل في منظومة القيم التربوية والدينية والاجتماعية.‏

ثم طالبت بإلغاء المادة 548 من قانون العقوبات وتعديل المادة 192 المتعلقة بدافع الشرف.‏

القانون تبديل رادع إلى 70%‏

ومن المنظمات السيدة رغداء الأحمد رئيسة مكتب الإعلام في الاتحاد النسائي قالت: الحالات التي عرضت نعرفها بالدليل القاطع وأنا ضد قتل النفس بأي شيء أو سبب كان, هناك مجموعة من التدابير الاحترازية والعقوبات المتسلسلة يجب أن يؤخذ بها.‏

وبالتالي أنا مع إلغاء المادة 548 لأنها تضم ثلاث كلمات متنافرة (جريمة, شرف, عذر محل من العقاب) وإلغاء المادة لا يعني أن يترك الخلل للمجتمع على الإطلاق فهناك ضوابط أخرى, وأيضاً يجب تعديل المادة 192 مع مراعاة المساواة بالعقوبة بغض النظر عن الجنس, ومع ذلك نحن لا نعتقد أن تعديل القانون يلغي الأعراف والعادات لكنه رادع إلى نسبة 70% حيث سيعد الشخص المقدم على الفعل إلى المليون لأنه يعرف أن الحكم أصبح بين 15-20 سنة مثلاً وهذا يدفعه للتراجع, وأخيراً بل أولاً معالجة الأسباب الدافعة للجريمة أو الخطأ .‏

لا نريد رخصة جديدة للقتل‏

الدكتورة هناء برقاوي من علم الاجتماع : الملتقى ناقش قضية مهمة وهي قضية الشرف التي لها بعد إجرامي فليس ما يحدث من قتل هو بدافع الشرف بل بدافع الريبة والشك, وأنا أرى إن كانت الفتاة أو المرأة مذنبة فهناك قانون ولايجوز القصاص من قبل شخص من العائلة.‏

والملتقى يناقش المادة 542 التي تحل القاتل من العقاب وقد نادى البعض بتعديلها لتصبح بالتساوي للمرأة والرجل, ولكن برأيي أن ذلك يعطي رخصة جديدة للقتل من قبل الطرفين , وبالتالي يجب إلغاؤها ومن ثم تعديل المادة 192 من أجل أن يسود القانون.‏

التثقيف عبر المناهج والإعلام‏

ولابد من هذا الخصوص أن تكون الانطلاقة من المدخل القانوني إضافة للثقافي والاجتماعي حيث أكد الدكتور طلال مصطفى استاذ علم الاجتماع أنه لا بد من إلغاء المادة 548 وبعض المواد التي تعفي القاتل بجريمة الشرف وتخفف العقوبة ,فالذي يقوم بعملية القتل مجرم ويعاقب كبقية الجرائم, والوالد الذي يطلب من أحد أولاده أن يقتل أخته هو يعرف مسبقاً أن حكمها ثلاثة أشهر, ومن المؤكد أنه سيقوم بقتلها إذا كانت مذنبة أم غير ذلك أو لأسباب أخرى وعندما تكون العقوبة زاجرة 5-10 سنوات سيفكر كثيراً القاتل قبل ارتكاب جريمته وهذا لا يمنع ادخال المواد القانونية بالمناهج, والتثقيف عبر وسائل الإعلام والتلفاز.‏

لماذا لا توجد جرائم شرف للمرأة?‏

وتعتبر الدكتورة بارعة القدسي استاذة القانون بجامعة دمشق أن العديد من تلك الجرائم ترتكب تحت اسم الشرف ومعظمها عن سبق القصد والتصميم وإن جرائم الشرف المنصوص عليها بقانون العقوبات يجب إلغاؤها لأنها تحت اسم الشرف ترتكب وتكون لغايات اقتصادية فعل الإرث أو لخلافات على أموال, إضافة إلى القسم الثاني من المادة 548)الارتياب والشك( وهذا لا يجوز ويكون ذريعة للقتل وهي مواد يجب حذفها وإيجاد مواد بديلة عنها وتتساءل لماذا لا تكون جرائم شرف للمرأة أيضاً? .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية