ومن خلالها كان عالم من القصص والخيالات الممتعة يرتسم في عيونهم البريئة فتشع بهجة وسعادة لقد كانت تلك الفترة الممتدة على مدى ساعتين كحد اقصى هي الوقت المقدس المسروق من الزمن والبعيد عن كل الالتزامات فحتى الاهل كانوا مجبرين على اعطاء مساحة لاطفالهم خلالها بسبب ندرتها اولا وحرصا على سعادة اطفالهم النفسية ثانيا الان وبعد ان تحولت تلك الفترات الى محطات تبث برامج الاطفال على مدى 24 ساعة هل تضاعفت السعادة والفائدة?
حالة من المشاهدة المتواصلة!
تماما كما فعلت الفضائيات بالافلام والبرامج المنوعة والاخبار فقدت الرسوم المتحركة وبرامج الاطفال سحرها وخصوصيتها فمشاهدة تلك البرامج اصبح ممكنا ومتوفرا في كل الاوقات ليلا ونهارا وما على الطفل الا ان يحفظ ارقام تلك المحطات والتقليب بينها ومشاهدة البرامج المتنوعة التي تبثها ذهبت حالة الترقب والانتظار وفقد الطفل متعة الترقب التي تعطي طعما وشكلا ولا احلى للشخصيات الكرتونية ولتفاصيل مغامراتها ولموسيقاها واغانيها,البرامج والشخصيات اصبحت كثيرة متنوعة لدرجة لم يعد الطفل قادراً على استيعابها او تصنيفها او التمييز فيما بينها لقد اصبحت مجرد حالة يومية متكررة كالاكل والنوم ولاتتجاوز كونها واجباً روتينياً يميز الطفل عن الكبار المحيطين به. ان الاثر النفسي على الطفل يبدو جليا عندما تراه يتعامل باستهتار مع برامجه الخاصة فهو يعرف حق المعرفة انه يستطيع ان يعوض مايمكن ان يفوته في اي وقت كان واصبح كشخص يعرف انه سيعيش الى الابد ففقدت حياته اي معنى انه قتل للسعادة البريئة وحالة من التخمة ادت بالطفل الى الاستهتار بما كان يمثل يوما ما عالمه الخاص المتفرد الذي كلما طال انتظاره وترقبه ازداد جمالا ومتعة وسعادة.
أية رسالة تصل إليهم?
المضمون هو الجزء الاخطر في المعادلة الجديدة فكثرة البرامج والمحطات جعلت سوق استيعابها وعرضها كبيرا بطبيعة الحال ما ادى الى عدم الاهتمام بالنوعية واصبحت القصص غير المنطقية والخالية من اي عبرة او درس حياتي او اخلاقي تملأ عقول الاطفال فهي على اتم الجاهزية لتلقي اية معلومات تأتيهم من خلال البث والتحريض المتواصل على مدى ساعات طويلة فتصبح سلاحف النينجا مثلا اعلى وسبايدر مان يحل محل السندباد وحتى السندباد يصبح مجرد لص لاهم له الا سرقة الكنوز والقرصنة في البحار جميع الابطال في الرسوم المتحركة يقاتلون من اجل انقاذ العالم من الاشرار الذين يسعون للسيطرة والقتل لمجرد انهم اشرار وحتى الابطال الذين يقاتلون الاشرار لايملكون الحد الادنى من الحكمة فهم مجرد مغامرين يعيشون في اماكن غريبة والشيء الوحيد الذي يفعلونه في حياتهم هو الانتقال من معركة الى اخرى وهزم الاشرار أينما كانوا.
لماذا يفعلون هذا وضمن اي اطار انه سؤال لن تجد عليه اجابة فالامر متروك للطفل كي يشاهد ويفكر ويحاكم ويقرر وكل مايساعده في اتخاذ هذا القرار هو مجرد تعليقات بلا معنى مثل (يجب علينا انقاذ العالم) او (لقد هزمنا الاشرار وسنواصل قتالنا الى النهاية).
انها حالة من الفراغ واللامعنى فرضت نفسها على اطفالنا ويجد الاهالي المغلوبون على امرهم تلك المحطات كمتنفس يسمح لهم بالالتفات إلى امورهم الخاصة وواجباتهم فهم يعلمون انهم يستطيعون الاعتماد على محطاتهم السحرية لالهاء الطفل وتسميره دون حركة امام الشاشة لساعات طوال انها خطوة اولى في طريق محو ملامح الانسان وتجريده من اية قيمة او سعادة حقيقية وهي لاتخدم الا هدفاً واحداً يسطح العقول ويحرفها عن المسار الطبيعي.
ربما لو اولينا اطفالنا بعضاً من الوقت وخصصنا لهم اوقاتاً معينة لمشاهدة برامج منتقاة لاستطعنا الحفاظ على ماتبقى من طعم الحياة الجميل في وجدانهم الغض البريء واثبتنا قدرتنا على الوقوف في وجه هجمة العولمة التي تطال الجميع صغارا وكبارا وعلى ايدي محطات تدعي انها تسعى لاسعاد وتنمية عقول الاطفال العرب بينما هي تفعل العكس تماما هي محاولة جديدة لتقتل كل ماهو جميل ودافىء في عالمنا البارد لكنها في هذه المرة تستهدف الاطفال السذج الابرياء الذين يشكلون اساس الامل في مستقبل افضل, مستقبل جميل ومزدهر وسعيد.