بين ما كان في السابق وما سوف يأتي بطريقة التراكم العضوي في الراهن واللاحق وفي مثل هذا المستوى تعود الجذور لكل طرف في الصراع إلى التداول والتفاعل.
ولقد يبدو الأمر مكشوفاً بالنسبة لجذور الآخرين وباستثمار الممارسات الإرهابية ندرك أن الجذور لدى القوى الهائجة والمعادية هي احتقانات تاريخية وركام تشكل عبر زمن طويل في العقول المغلقة والقلوب السوداء والبيئة التي أكلت ذاتها فكان لابد أن تبحث عن ضحايا وفرائس لكي تثبت بالوهم أنها تمتلك القوة وأنها قادرة على أن تتدخل وتنتشر في أي مساحة من الأرض، وبصورة مجملة فإن الجذر الذي تنتمي إليه قوى العدوان هو نزوات وانحرافات وثقافة همجية مفتعلة وفكر لا قواعد له ولا قوائم فيه وإرادات تسللت عبر الزمن لتصنع الحروب والموت ولتختصر مسارها في البحث عن الأدوات والبنى البشرية التي ولدت خارج القيم وتدافعت هائجة في عكس مسار التاريخ.
ونعلم ويعلم غيرنا بأن الجذور الإرهابية الاستعمارية واحدة في مصدرها وموحدة في فعلها واشتقاق دوائر حركتها عبر نزوات الانحراف وبالاندماج النهائي في مأساة الدم البشري، وهذا ما ينجز وحدة السلوك الاستعماري الإرهابي عبر الجذور التاريخية والعملية التي ربطت كل هذه الأطراف الخائنة وصار كل نمط فيها تعبيراً عن النزعة الجماعية لكل هذه القوى التي جمعت على عجل من أطراف الدنيا بكاملها، حتى لكأن وجود الدول والقيم التي كانت متداولة فيها قد اندثرت وانتهى مفعولها ولم يعد من قيمة أو استدراك لهذه الدول التي ادعت الحضارة والتطور العلمي والديمقراطية إلاّ أن تنتج قوى الإرهاب وعناصر الإرهاب في ذاتها وفي حضنها ثم أن تلجأ إلى إطلاق هذا الوباء تعبيراً عن قيم الدول الحاضنة وإنجازاً للنزعة العدوانية الاستعمارية التي توارت لفترات تطول أو تقصر ولكنها سرعان ما يلتحق فروعها بأصولها، إنهم جميعاً مقيدون إلى الجذور التي أنتجتهم ولذا نجد أنماط سلوكهم وخياراتهم في التعامل مع البشر تقوم على النزوع نحو القتل بطريقة الذبح ونحو التدمير بأسلوب التفجير على المكان ومن يستوطن هذا المكان، إن الإنسان بمنطق هذه القوى هو رقم في سياقه الفردي وكمية من البشر لا تستحق الاعتراف بها ولا وظيفة لها إلا أن تخدم المستعمر والإرهابي أو أن تخضع لعناصر الموت والفناء، هكذا هي جذورهم وهكذا هو سلوكهم.
إن المسألة بصيغتها الموضوعية والشمولية وبالاستناد إلى صيغ الصراع القائم وصوره البشعة التي تذكرنا بما فعله الاستعمار العثماني وبما أنجزه بنذالة الهيجان التتري في مجمل مساحة الوطن العربي، هذه المسألة تعبير عن الجذور ولكن الحقيقة ووقائع التاريخ تدلنا على أن الجذور المفتعلة والمهترئة كانت تقابلها وتتصدى لها الجذور الحية والتي زُرعت ونمت أصلاً في قيم السلام والتضامن مع العالم ورفض أي اعتداء أو تجاوز للسيادة الوطنية أو اختراق للبنية الإنسانية والأخلاقية، ومن هنا كانت المعارك الدائرة توصف بأنها معارك الجذور والأصول أولاً ومعارك الوجود والمصير ثانياً ومعارك البنى النهائية لهذا الطرف أو ذاك وهذا الإدراك والاستدراك في منطقة الهوية والجذور هو الذي أهل سورية العربية في إنتاج أداء صار العلامة الفارقة والحاكمة والمؤثرة في كل اتجاهات العالم ومواقفه.
إن الأداء الوطني السوري بالمعارك في كل ميادينها القتالية والبنائية والسياسية والدبلوماسية هو مرحلة نوعية كبرى حدودها في حدود العالم كله عدوه قبل صديقه ومرتسماتها سوف تتداخل مع التاريخ وعبر إيقاعه الزمني في الراهن الحاضر وفي المستقبل القادم، هذه حقائق كبرى وليست استنتاجات وبدأ الآن كل العالم يجمع عليها ولا سيما وهو يراقب ويتابع هذا المد الهمجي الذي اكتسح جغرافية العالم وقيم الإنسانية واستقر في عمقه جملة مشاريع إرهابية هي خلاصة الغموض التاريخي لدى الغرب والمستوى الرخيص لدى الأنظمة السياسية العربية والكفر البواح من خلال التآمر على الإسلام الحنيف والسامي واختطافه إلى حيث قتل الإنسان وتشويه معالم الحضارات والادعاء بعد ذلك بأن الطريق إلى الجنة والارتماء في أحضان الحوريات هو القتل الدائم والتدمير بلا هوادة.
لقد أدى الموقف الوطني لسورية وظيفتين متلازمتين هامتين لنا وللآخرين وللحاضر والمستقبل معاً، أما الأولى منهما فهي إنجاز معطيات الجذور الحية في ذاكرتها الحية الأمر الذي أدى إلى هذا المستوى من الصمود ومن استيعاب موجات الإرهاب فصار كل سوري مقاتلاً حتى حدود الشهادة في الميدان ومستوعباً لدوافع الحصار والتجويع والإرهاب وبدت الحالة في الوطن السوري تمتد من الميدان إلى لقمة العيش، ولا يضير ذلك بعض من تخلى عن الموكب وبعض من استهوته الخيانة والمكسب المادي عبر استقلال الظرف القاسي، وأما الوظيفة الثانية فقد أخذت بالأداء السوري إلى بقاع الأرض كلها لتتوحد الإنسانية المسلوبة والمستضعفة على النموذج المعجز ومثلما أنجز الوطن السوري قيمته وقوته في هذا المدى من العطاء والتضحيات والوعي والمثابرة كذلك أنجز في أقاليم الدنيا ذات المعاني القائمة على الخيارات الإنسانية العليا.