تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مسرحية «هوب هوب».. الكوميديـا هل حاصرت المعنى..؟

ثقافة
الأربعاء 5-11-2014
سعاد زاهر

في هذا الوقت بالذات.. لاشيء يشبه حرارة جمهور، يمتلك توقا مفاجئا يهمش كل مخاوفنا الذاتية، مركزا على لهفة مسرحية اعتقدناها ليل السبت الماضي لن تنتهي بانتهاء العرض.. !

في مسرحية هوب هوب على مسرح الحمراء.. بدونا وكأننا جزء لعبة مسرحية.. أقحمنا العرض فيها مباشرة، تارة من خلال محاولات تمرير بعض الشخصيات عبر ممرات الصالة المسرحية، او من خلال كسر الايهام الذي أصر عليه العرض حتى النهاية..‏

النص كتبه جوان جان قبل عشر سنوات اعتماداً على نص مسرحي للكاتب الروسي ميخائيل بولغاكوف بعنوان الجزيرة القرمزية، ومع ذلك عند حضورك للعرض تعتقد انه طازج صمم خصيصا ليناسب هذا الزمن.. ولاشك ان النقلات الاخراجية التي قام بها د.عجاج ساعدت في تعزيز هذا الاعتقاد.‏

بعد انتهاء عرض الفرقة ومبالغتها في تحية الجمهور، يقفز الى المسرح احد متعهدي الحفلات، ليفاجئ مخرجها بعرض لم يحلم به يوما، السفر الى أمريكا لتقديم عرضهم..‏

ولكن المتعهد لم ير العرض ويريد تقديم بعض التعديلات بما يتلاءم والسفر الى هناك.. وربما سلب روح النص.. فكيف تواجه الفرقة هذا التحدي.. ؟‏

من هنا تبدأ المفارقات الكوميدية في العرض، حيث نرى مستويين مسرحيين في العمل، بما يشبه عرضاً داخل العرض، الامر الذي يكسر الايهام المسرحي طيلة الوقت.. !‏

المستوى الاول: تجسد في أداء المجموعة كفريق تمثيلي يقوم بالتعديلات المطلوبة، يتداخل هنا أيضا صراعهم الحياتي مع صراعهم المسرحي..‏

المستوى الثاني: شخصياتهم على الجزيرة المهجورة.. وما فيها من مبالغات أدائية باعتبارهم يجسدون شخصيات بدائية..‏

وان كان المستوى الاخير يفتح المجال واسعا للمبالغات الادائية بما فيها من صراخ، الا ان المستوى الاول لم يكن بحاجة لكل المبالغات الادائية التي حفل بها العرض.. مما أفقد كل مستوى خصوصيته، التي كان بإمكانها ان تعطينا وقفات تجعل المعاني تتدفق الينا رغم وهج الكوميديا الساطع..!‏

الكوميديا التي يعتمدها العرض كتيمة أساسية في المستويين، لم يتخل عنها حتى في تلك التي تحتاج الى التقاط الانفاس لمعرفة الهزل من الجد.. !‏

العرض الاخير للمسرحية، ومع الخاتمة التي تعاد مرتين بتعديل وبدونه.. نكون مع بداية الاحداث الفعلية.. شيء ما قد تبدل جعل المخرج عدنان (كفاح الخوص) يلهث وراء التعديلات في مواجهة الكاتب فؤاد يؤدي الشخصية محمد خير الجراح.‏

ومن خلال التعديلات تلك.. نعيش أغلب القفشات الكوميدية، خاصة تلك الارتجالية اذ ان الممثلين وجدوا في الانفكاك من الشخصيتين فرصة للمبالغة الكوميدية، حتى انه في لحظات كثيرة بدا ان الممثل خارج عن نطاق السيطرة.. خاصة في تلك المشاهد التي كثر فيها الصراخ طيلة الوقت دون أي مبررات درامية، فإذا كان مبررا للصراخ أن يستمر في بعض المشاهد خاصة تلك التي تتعارض فيها وجهات النظر، لكن اعتمادها في العرض وكأنها مبدأ تمثيلي ينتهجه العرض طيلة الوقت أفقده الكثير من عمق اللحظة المسرحية.. !‏

الاسلوبية التي اعتمدها العرض وان بدت لافتة في بدايتها الا انها مع استمرار العرض وقعت في مطب التكرار الامر الذي اوقع العرض في رتابة لم ينتشله منها سوى الاداء الهادئ لبعض الشخصيات: طارق عبدو، نور الحسيني.. حيث لم تكن تنجر نحو اضحاك الصالة، بل تغرق في أدائها لدورها في الشخصية، دون أن نلحظ انها تتماوج مع ردود أفعالنا.‏

أسامة الحفيري الذي امتلك مفاتيح أداء شخصية النصاب-المتعهد ماجد الذي يتلون مع المواقف، كل شيء لديه قابل للبيع والشراء، تمكن في الكثير من مواضع الشخصية من تقديم اداء لافت.. الا ان مفاتيح الشخصية تلك التي امتلكها بداية سرعان ما انفلتت منه مع التقدم في العرض وكان ينجر تلقائيا الى اضحاك الصالة، وكأنها الهدف الاساسي من شخصيته.‏

الكاتب فؤاد يؤدي الشخصية محمد خير الجراح، الذي لجأ الى تقديم شخصية نمطية اعتمد فيها على طريقة نطق لم تضف للشخصية أي أبعاد، وبدت تلك الاضافة مجرد اكسسوار لفظي..‏

كفاح الخوص مبالغاته الادائية قد تجد تبريرا لها من خلال صراعه بين فريقي مسرحيته، أولئك اللاهثون للانطلاق نحو حلمهم الامريكي، وما بين اولئك الذين فهموا اللعبة، وكيف تريدهم ان يغرقوا في دوامة تنازلات لاتنتهي.. وفي النهاية لن يأكلوا سوى الفجل.. !‏

لاشك ان العرض احتوى على رسائل عديدة هامة، كتلك التي قدمها في نهاية العرض حين يرفض الممثلون اخيرا التعديلات ويرفضون السفر.. وبالتالي يرفضون الفكر الذي تمليه عليه رحلتهم الاميركية.. ويضطر المتعهد الى تغيير وجهته.. ثانية.. ويتلون من جديد.. !‏

الدور الابرز في جعلنا نعبر الى حالة العرض.. داخل العرض تبدت في الاضاءة التي اتخذت شكلا ثابتا لدى التعامل مع الفرقة المسرحية، بحياتها العادية، عندما كانت تتلقى اوامر المخرج، حيث كنا نعيش مع اضاءة واضحة.. اما تلك المتبدلة فكنا نحياها اثناء الانتقال الى الجزيرة..‏

رغم بساطة الديكور، الا أنه اعطى عمقا للعمل سواء من خلال الكرسي الكاريكاتوري، أو من خلال تلك القضبان التي يراها المتلقي من خلال احساسه الخاص.. وان كانت تبدو أقرب الى سجن منها الى ديكور مسرحي، ربما هو سجن ازمتنا، وقيمها المجنونة.. !‏

حتى المؤثرات لم تفلت من نفحات الكوميديا التي أصر العرض على نشرها في كل مفرداته.. ربما ايمانا بصناع العرض.. ان لاشيء يشبه الضحك في الازمنة الصعبة.. !‏

soadzz@yahoo.com

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية