وعن أسباب استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات وقصة E1 وضم الضفة الغربية . ستفرد إسرائيل أمام الرئيس اوباما جملة خرائط مع آخر عروض الباور بوينت واخر المعطيات في هذا المجال , من أجل تذكيره بأنه يزور دولة تعتبر ذات قوة عظمى تكنولوجياً . وسوف يكتشف الزائر الأميركي بأن لا وجود لأراض محتلة , كما ويتمتع الفلسطينيون بحكم ذاتي , بينما توسيع المستوطنات يجري في أماكن يعود ملكيتها لإسرائيل وهي الآن للفلسطينيين بشكل مؤقت.
هذا دون تناول مسألة الكتل الاستيطانية وتبادل الأراضي , وإلى ما هنالك من أكوام الرمل التي سينثرونها في أعين الرئيس , بعدما نثروها في عيوننا وحجبوا الرؤية عنا . وفي حال ألح الرئيس على سؤاله , حينها سيسحب الإسرائيليون جوكرهم المفضل وهو (أحادية الجانب ) وسيستفيض السياسيون بالشرح بشكل مهذب بأنه محظور على الفلسطينيين العمل بطريقة أحادية الجانب . من خلال استخدامهم كلمة ( يونيلاترل اكشن ) التي يحرصون على استخدامها في هكذا مناسبات .
« لو أنهم لم يذهبوا بشكل أحادي الجانب إلى الأمم المتحدة » و«لو أنهم لا يقررون الذهاب بشكل أحادي الجانب إلى محكمة لاهاي» و « لو أنهم يدركون أن أي خطوة أحادية الجانب من جانبهم يثبت أن وجهتهم ليست السلام » . بالطبع سيتحدثون في الكذب دون أن يرف لهم جفن , وهذا ليس بسبب براعتهم في فنون الكذب بل لأن برج ايفل هو المكان الوحيد الذي لا يمكن رؤية البرج منه . وهكذا فإن المكان الوحيد في الشرق الأوسط الذي لا يمكن أن يُرى منه أحادية الجانب هو منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي . خلال وجودها على مدى 65 عاماً أصبحت إسرائيل دولة أحادية الجانب بحكم الأمر الواقع , بحكم تصرفاتها في المنطقة وليس بحكم ما تراه في نفسها . وقديماً قال رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ديفيد بن غوريون « لا يهم ما يقوله الغير فينا , بل الذي يهم هو ما يفعله اليهود » . حتى ان هذا السلوك الأحادي الجانب بات ورماً خبيثاً يفرض على إسرائيل سلوكها الدبلوماسي والسياسي .
جميع القرارات التي اتخذتها إسرائيل ( الدولة الديمقراطية ! )كانت بشكل أحادي الجانب . سواء أكان قرارها بإفراغ قرى أراضي عام 1948 الفلسطينية من سكانها . وقرار احتلال الجليل الغربي , والذي وفق مشروع التقسيم لا يفترض أن يكون ضمن الأراضي الإسرائيلية ومثله قرار ضم القدس وقرار ضم الجولان , الذي اتخذته إسرائيل على الرغم من اعتراض الولايات المتحدة والأمم المتحدة والدول الأوروبية والقانون الدولي عليه . ويندرج ضمن إطار الأحادي الجانب قرار تهويد النقب والجليل .
ناهيك عن السياسة الداخلية المبنية على أساس التمييز العنصري الذي اتخذته إسرائيل بشكل أحادي الجانب بناء على تقرير قاضي المحكمة العليا الذي يقضي بأن « يعيش المواطنون العرب في إسرائيل ضمن واقع يميز فيه ضدهم كعرب » في الحقيقة , يعرف الفلسطينيون حق المعرفة أن إسرائيل هي الدولة الأخيرة في العالم التي يحق لها محاسبتهم على إجراءاتهم الأحادية الجانب التي اتخذوها منذ عام 2002 . أمام أعينهم يجري بناء جدار الفصل فوق أراض هي في غالبيتها الساحقة أراضيهم , وهذه خطوة أحادية الجانب تشكل خرقاً للقانون الدولي .
ونسأل مع مَن تشاورت إسرائيل حين قررت ضم الضفة الغربية وتحويلها إلى مستوطنات لإسكان آلاف الإسرائيليين فيها ؟ ومع مَن من الفلسطينيين نسقت قراراتها القاضية بهدم المنازل ومصادرة الأراضي في الضفة ؟ وما هو ليس أحادي الجانب في قرارها مصادرة مصدر المياه الوحيد في الضفة ( الخزان الجوفي للجبل ) ونقل معظمه من الضفة إلى مدن إسرائيل ؟ والآن تصوروا وضعاً تتصرف فيه الدول المجاورة لإسرائيل مع إسرائيل كما تتصرف هي معهم . مثلاً أن تقوم الطائرات السورية بطلعات عملياتية فوق الكنيست الإسرائيلي واختراق جدار الصوت فوقه . تصوروا الكوماندوس البحري للجيش اللبناني النظامي يقوم بعملية اجتياح بقوارب مطاطية على شواطىء آخزيف. قلبوا في رؤوسكم نتائج قيام الأمن الوقائي الفلسطيني باجتياز الخط الأخضر نحو إسرائيل ليقوم باعتقال مواطنين مطلوبين .
ماذا يمكن أن يحدث لو أن عملاء مكلفين من الحكومة الأردنية حاولا تصفية أحد الزعماء السياسيين في تل أبيب , من خلال رش السم على وجهه أو حاولت الطائرات العراقية قصف مفاعل ديمونة, أو حاولت الطائرات السورية قصف مركز البحوث النووية في شوريك أو قوارب حرس الحدود الغزي تستجوب صيادين إسرائيليين خرجوا من الحدود المسموح لهم بها بشكل أحادي الجانب.
إن أي واحد من هذه الافتراضات سيكون سبباً لإشعال فتيل حرب , ولن يغري إسرائيل أي رادع للتراجع عن الحرب . وهي التي تعتبر الأكثر حرصاً في مسألة تحصين حدودها البحرية والبرية والجوية . والفخورة بسياستها الأحادية الجانب التي تفرضها من أجل ذلك .
وهذا الغرور مصدره شعورها بالفارق البنيوي بينها وبين الدول المجاورة , بين ما تحتاجه هي وبين ما يحتاجه الفلسطينيون , بين ما هو مسموح لها فعله ( تثبيت الحقائق على الأرض ) وبين ما هو مطلوب من الآخرين ( عدم العمل بشكل أحادي الجانب ) وهذا الفارق هو الذي سمح لزعماء إسرائيل أن يتوقعوا من الفلسطينيين التصرف بشكل مغاير لما تتصرف فيه إسرائيل تجاههم . ويبقى السؤال الأهم هو معرفة ما إن كان الرئيس الأميركي سيقرر بشكل أحادي الجانب خلال ولايته الثانية والأهم إنقاذ إسرائيل من نفسها .