لم يمنع هذا الرأي الأديب النيجيري شينوا أشيبي من ممارسة النقد لاحقاً.. بعدما كان اتخذ من الأدب وسيلته الأساسية لتصحيح أفكار مغلوطة لدى الآخر. فكل ما كتبه كان قائماً على التأكيد أن للأفارقة تاريخهم الخاص وعلى ضرورة إعادة كتابة هذا التاريخ.
أشيبي حاول تحقيق ذلك عبر سلسلة إصداراته التي تمحورت بعمومها، حول الدفاع عن السود وتصويب ما تمت مراكمته عن تاريخهم من مفاهيم خاطئة.. ولهذا ووفق طريقته لا يمكن له أن يترك (الأشياء تتداعى).
ولد أشيبي، الذي توفي أواخر الشهر الماضي، في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1930، في الجنوب الشرقي لنيجيريا.. وبعد أن أمضى عاماً في دراسة الطب تحوّل إلى دراسة اللغة الإنكليزية والتاريخ واللاهوت. كان من الطلاب الأوائل الذين تخرجوا من جامعة ابادان.. وعمل بعد التخرج في هيئة الإذاعة النيجيرية.
بدأت حياته الأدبية وهو في منتصف العشرينيات في وقت كانت فيه نيجيريا تحت الاستعمار الإنكليزي.. كان واعياً لمشكلات مجتمعه عالماً بما عاناه من عيشة سوداوية مأساوية. عبّر بأدبه عن ذلك ناقلاً أهم التحولات التي جرت على أرض بلاده.. فكانت روايته الأولى (الأشياء تتداعى) التي كتبها وهو في لندن عام 1957.
أرسل أشيبي مخطوط روايته إلى وكالة الطباعة التي لم تستعجل طباعتها إلا تحت ضغط سيدة إنكليزية كانت رئيسة أشيبي في العمل بهيئة الإذاعة النيجيرية.. ومحض صدفةٍ دفعت ألن هيلز محرر دار (هانيمان) للنشر، إلى مغامرة نشرها بعدما كان سمع تقييم أحد الأساتذة يصفها بأنها أحسن رواية منذ الحرب.. وللمفاجأة فقد بيعت كل النسخ التي طُبعت.. وأُعيدت طباعتها بذات الدار.. وكأنما كانت دور النشر بذلك تكتشف أن هناك صوتاً مغايراً ونبرة جديدة في هذه الرواية التي سدّت فراغاً ملأه أشيبي وغيره ممن تأثروا لاحقاً به.. وأطلق عليهم اسم (أولاد أشيبي).
كان لهذه الرواية الفضل بوضعه في مقدّمة كتّاب القارة السوداء.. حيث بيع منها في طبعتها الأولى مليونا نسخة.. وترجمت دون اللغة الإنكليزية التي كان كتبها بها، إلى خمسين لغة أجنبية.
ميزة أعماله أنها مغرقة في محلّيتها فكانت بحق صورة صادقة عن مجتمع السود.. مجتمع تقام فيه مظاهر المدنية على عجالة وكأنها تجامل الحضارة لا أكثر. وعلى ما يبدو أن السبب الأبرز الذي جعله بعيداً عن نيل جائزة نوبل يعود إلى نبرته القوية الجارحة للرجل الأبيض.. هو الذي حصد العديد من الجوائز ونال نحو (25) دكتوراه فخرية.. واعتبر واحداً من بين المئة كاتب الأكثر نفوذاً في القرن العشرين.
عبر كتابه (الأشياء تتداعى) يلوم أشيبي الرجل الأبيض.. ذاك المستعمر الذي عمل على بعثرة الأشياء الأفريقية بعدما كانت مجتمعةً إلى بعضها وهو، بحسب الكاتب، ما سبب الشقاء الأفريقي. بطل العمل هو (أكونكو) الذي كان مصيره الانتحار.. يصبح له حفيد (أوبي) بدوره سيكون بطل رواية ثانية (راح زمان الراحة) يستكمل فيها ما بدأه في الأولى. كل من البطل في العمل الأول وحفيده في العمل الثاني يسير وفي عقله يقبع دائماً الرجل الأبيض.. أحدهما يخالفه بينما الآخر يسايره.. وكما لو أن أشيبي في هذين العملين أراد الإيماءة إلى أنه في كلا الحالين لا فائدة من الرجل الأبيض.
كتابه الثاني كان بعنوان (سهم الله) أيضاً يعود فيه إلى ثنائية الرجل الأبيض والآخر الأسود.. وكما لو أن هذه الضدية استحالت إلى ثيمة بناء نصي في مجمل أعمال أشيبي لم يتحرر منها ولعله تقصّد ذلك.
في أشهر كتبه (رجل الشعب) لا يخرج عن إطار فكرته المركزية.. إذ يحوم طيف الرجل الأبيض مستهلكاً كل نتاجات الروائي.. هو هنا في هذا العمل يصل إلى نتيجة أن أساليب إدارة الحياة التي يتبعها الأبيض في بلاده لن تجدي نفعاً حيثما حل المرء في أفريقيا.
غالباً، يعود موقف أشيبي السلبي من الرجل الأبيض إلى قناعة آمن بها ترى أن الحضارة الغربية بغيضة ومُشقية خرّبت معاني السعادة البسيطة التي كان يتحلّى بها الأفريقي البدائي.. كما أنه انتقد الأدب الغربي الذي تحدّث عن الأفارقة لاسيما جوزيف كونراد في عمله (قلب الظلام).