وترٌ في غاية الحساسية لهذه الفئة العمرية...أتقنت الفضائيات العربية اللعب عليه..عبر تيار تلفزيوني جديد بتصاميم..وأساليب..متعددة..قد تضاهي بإمكانياتها الإنتاجية برامج (الشو) العالمية..بحيث نذرت نفسها في سبيل إخراج المواهب الشابة من ركام البطالة..وأنقاض العنوسة.. وقاع المجتمع...إلى القمة حيث الشهرة و المال و المجد,في محاولة مستميتة لغرس قيم جديدة في عقول شريحة واسعة تلتهم ثلاثة أرباع أعداد السكان...متلاشيةً ثالوث قيم الحق و الخير و الجمال التي توصل لها أفلاطون بعد تأمل وبحث في طيات فلسفته الخالدة...التي حملتها الكتب الدراسية وسط حيرة أساتذتنا بالأسلوب الأفضل لإيصالها وترسيخها في ذاكرتنا وجعلها المنطلق لسلوكياتنا....ليجرف ذاك التيار التلفزيوني قيما..مُرسخا أخرى تقود الكثيرين كقطعان نحو أبواب المجد و النجومية...فعذرا أفلاطون على هذا الزمن الفضائي الرديء!!
مئات..بل آلاف مؤلفة جاءت من أصقاع البلدان العربية...هربا من بقعة الظل المعتمة التي يضيعون في كري دوراتها بين العام..والخاص..ومصائبهما...وتشتت القطاع المشترك بينهما..نحو برامج تلفزيونية تدرج أمام موهبتهم السجاد الأحمر في بروباغندا إعلامية ضخمة يعيشون معها أجواء ألف ليلة و ليلة...
ياسمين قوطرش واحدة من مئات الشباب الذين قرعوا أبواب الشهرة لكن لم يحالفها الحظ تتحدث لنا عن تجربتها:
تقدمت لإحدى برامج اكتشاف المواهب أكثر من مرة وما أن أخوض الاختبار الأولي حتى ينهار حلمي أمام حكم اللجنة,ومع ذلك لم أيأس وسأحاول مجددا.
وتضيف:اعتقد أن هذه الموجة من البرامج توفر سنوات من الوقت و الجهد لبلوغ الدرجة الأولى من تحقيق الحلم وهنا يكمن سر انجذاب الشباب إليها, فقد حاولت لمرات عديدة أن أقدم مشروعا موسيقيا خاصا بي ولم أجد سوى أبواب تغلق في وجهي!!
وهي ترى أن تلك الموجة البرامجية طاقة نورٍ تضيء المواهب القابعة في عتمتها , مقدمةً لها الشهرة و المال في فترة قياسية...
لحن تعزفه بعض الفضائيات لنجاح استثماراتها في تلك المواهب مغازلةً أحلامهم ومتناسية طموحاتهم..فكم من موهبة حقيقية ركلت خارج مرمى الهدف في لعبة تصويت متقنة...وكم من إمكانيات مؤهلة لإيصال القدرات الشبابية العربية للعالم تآكلها الصدأ...
ثقافة جديدة....تغزو منازلنا (ونحن نضحك..ونتبسم...)وتتصدر اهتمامات شريحة واسعة من المراهقين الذين يضعون نصب أعينهم الشهرة و الأضواء وإن أدرك البعض أنه لا يمتلك شيئا مبدعا داخله المهم تصدر شاشات التلفزة....لتستحوذ على توجهاتهم وتصرفها عن قضايا أوطانهم خاصة في ظل العبث الربيعي الذي يعيث دمارا و خرابا بمستقبلهم!!
فأصبحت دائرة الأضواء هاجسا يداعب خيال الكثيرين على أنها الحياة المثالية والنجاح الأكبر في الحياة,بدلا من سنوات دراسية في تخصص ما..وما يتبعه من سنوات أخرى يتوهون في دهاليزها للبحث عن الوظيفة ليغرقوا بعدها في نمط كلاسيكي روتيني ضمن عمل محدد يؤطره ويقيد إمكانياته دون جديد وهو ما أكده ربيع شماس خريج أدب فرنسي وفق رؤيته الخاصة رغم أنه لم يرَ في مثل تلك البرامج الخلاص بل هي مصيدة أخرى يقعون في شباكها!!
و أضاف ربيع أن الحل يكمن في توحيد الجهود الإعلامية و التعليمية نحو اختصاصات تواكب العصر في تطوراته المعلوماتية وبالتالي تحقق نهضة في مجتمعنا أي أن ندرس ما سنطبقه غدا في حياتنا العملية,بالإضافة إلى توفير فرص عمل لمن يستحقها بعلمه و خبرته وتوفير آليات تضمن تطوير قدراته وهذا بالنسبة للمبدعين في جميع المجالات.... ربما هذا قد يكون حلما لذلك يهرول الكثيرون نحو هذه البرامج اختصارا للوقت ورغبة بدخول عالم مثير يقدر جهودهم وموهبتهم.
فعشوائية التوظيف...وتهميش قدرات الشباب تجعلهم يجدون في الغناء و الرقص ضالتهم وبذلك تحتل المسارح الفضائية ثروات...وأموال باهظة تغدق لتقتل وتدمر مستقبل أجيال هنا...وتعصف بعقول آخرين عبر تياراتها تلفزيونية هناك!!
وتعنون نفسها بالتسلية و اقتناص موهبة حقيقية لرعايتها...والمعنى الحقيقي يكمن بين سطورها في محاولة قيادة شرائح شبابية واسعة نحو قيم جديدة تتمثل بالشهرة..والمجد..والمال..