قبرص الضحية ..بين الأزمة الاقتصادية وصراع القوى
مساحة للرأي الأحد 7-4-2013 بقلم د. قحطان السيوفي قبرص الجزيرة الصغيرة شرق المتوسط، التي لايتجاوز سكانها المليون نسمة تذكرنا بالصداقة العربية القبرصية (عبد الناصر- مكاريوس)..
تخرج اليوم من ثوب السياسة لتأخذ حيزاً من عالم الاقتصاد.. انضمت قبرص للاتحاد الأوروبي ومنطقة اليورو وقبل عقد من الزمن واعتبر وزير مالية قبرص يومها (تاليس كليديدس) ذلك إنجازاً كبيراً لهذه الدولج الجزيرة التي تعتبر جغرافياً أقرب إلى المشرق العربي منها إلى بروكسل ودون سابق إنذار تجد الجزيرة الهادئة نفسها، على حافة الإفلاس اليوم يقول (كليريدس) عن الاتحاد الأوروبي (لقد تبين لنا أنه ليس عائلة واحدة.. الأعضاء الكبار يملون الشروط، الأمر يتحول إلى ديكتاتورية) مركز الأزمة القبرصية في قطاع الشركات المالية الخارجية (أوفشور) التي ضخمت نظام الجزيرة المصرفي بحيث أصبح يعادل ثمانية أضعاف حجم اقتصادها.. ومعظم هذا الانفتاح ناجم عن ودائع الأثرياء الروس، توصلت قبرص يوم 25/3/2013 لاتفاق مع المقرضين الدوليين قد يجنب هذه الدولة الإفلاس، والخروج من منطقة اليورو، مقابل خطة إنقاذ قيمتها عشرة مليارات يورو، وهذا يعني إلحاق خسائر فادحة بأصحاب الودائع غير المؤمنة ومن بينهم رجال أعمال كبار من الجنسية الروسية المطلوب من قبرص مقابل ذلك أن تُحجم قطاعها المصرفي من خلال إغلاق ثاني أكبر مصارفها (لايكي) وهذا الإجراء سيطال أصحاب الأسهم والسندات والودائع فوق (100) ألف يورو وهو مايوازي مبلغ إجمالي (4،2) مليارات يورو، يعتبر الاقتصاد القبرصي فريداً من نوعه، بسبب حجم ديون مصارفه، وعدم شعبية الدائنين في هذه المصارف، وحجم الاعسار غير المحدود.. المشهد في قبرص اليوم يظهر الذعر المالي الذي أثاره القرار المفاجئ لوزراء مالية منطقة اليورو يلزم أصحاب الودائع المصرفية القبرصية بدفع جزء من ثمن خطة الإنقاذ.. ما أدى إلى إغلاق المصارف القبرصية لأبوابها.. واصطفت الطوابير أمام أجهزة الصرف الآلي لسحب مالايتجاوز (260) يورو في كل مرة، الحكومة الروسية ليست مرتاحة لهذا الوضع وهي تدرس حالياً (شروط إعادة جدولة القرض الذي سبق ومنحته لقبرص عام 2011 والبالغ (2،5) مليار يورو علماً بأن هناك مبالغ طائلة تتحرك بين قبرص وروسيا تعادل أضعاف الدخل الوطني القبرصي البالغ (18) مليار يورو ويستفيد الروس من اتفاقية تتيح لهم سداد الضرائب بمعدلات منخفضة في قبرص، اتفاق خطة الإنقاذ يعتبر نوعاً من الانتصار لصندوق النقد الدولي وألمانيا، لأن كلاهما كان يدافع عن أطروحة فرض الضرائب على المودعين الكبار، وأغلبهم روس للحد من فاتورة الانقاذ (جورج أوجو) أستاذ الاقتصاد في جامعة كولومبيا انتقد بشدة المستشارة الألمانية (ميركل) لتنفيذها سياسة صندوق النقد الدولي.. ولأنها لاتعي المخاطر الناجمة عن مصادرة الودائع في المصارف القبرصية.. كما انتقد فرنسا لتورطها في إدارة الأزمة القبرصية، وهذا يظهر وجود نوع من صراع القوى الخفي..
لاشك أن تداعيات خطة الإنقاذ ستكون صعبة جداً على الاقتصاد القبرصي كما أكد مفوض الشؤون الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي المدير العام لشركة ديميترا للاستثمارات القبرصية قال (كنا نتوقع من أصدقائنا الأوروبيين أن يساعدونا لكنهم صوبوا مسدساً إلى رؤوسنا)..
الرئيس القبرصي (أناستاسياديس) وصف عواقب الأزمة بأنها أشبه بعواقب الغزو التركي لقبرص عام 1974 الذي طرد ثلث السكان من ديارهم وقسم الجزيرة إلى قسمين، أخيراً نرى أن قبرص ضحية أزمة اقتصادية حادة وصراع قوى سياسية خارجية.. انعكس على الأرض أزمة خانقة.. تُعبر عن قصة مؤلمة قد تطول.. ويبدو أن الفصل الأخير من هذه القصة لم يقترب بعد من بدايته.
|