تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


المبدعون في أفلام سينمائية...الصيف الأخير في حياة فان كوخ

ثقافة
الجمعة 6-3-2009
رانيا الحسن

من الأزرق النقي المختلس من مطرزات السماء والأصفر المسروق من صفحات القمح ومغازلة الشمس للأرض صنع فان كوخ اسمه الراسخ في عالم الفن واشتهرت لوحاته مثل (عباد الشمس، ليلة مقمرة، غربان فوق حقل القمح)

كان مولعاً بالصيف ربما لهذا اختار الموت في هذا الفصل. المخرج موريس بيالا اختار الصيف الأخير في حياة فان كوخ ليدلنا على حياته كلها وذلك في الفيلم الذي عرض مؤخراً في المركز الثقافي الفرنسي.‏

يقدم لنا فان كوخ الرجل العاشق والواقع في فخ امرأتين الأولى عاهرة ترتدي الأحمر وتتعامل مع الرجال بلا مبالاة.... كلهم سواء لديها، أما الآخرى فهي ابنة عائلة مرموقة شابة يافعة ترتدي دائماً الثوب الأبيض بينما هو يرتدي عزلته المعفرة بألوانه التي لا تفارق يده. حين يقوم برسم صورة لحبيبته الشابة وهي تعزف البيانو، لا تعجبها اللوحة وتسأله معترضة: لماذا جعلت لون فستاني بنفسجياً ألا ترى أنه أبيض؟!!.‏

لايلقي بالاً لاستنكارها ويتابع رسم ما يجول بذهنه مضيفاً إليه القليل من الواقع معتمداً على تكويناته البسيطة وتبدو اللوحة كأنها شريحة من صلصال أو عجين من رمل صحراوي.‏

تسأله زوجة أخيه لماذا لاترسم الماء؟ يقول: لا أحب رسم الماء، الماء سلس جداً وانعكاسه غامض... وسيزان يرسم الماء بشكل سيىء.‏

لم يحاول مراوغة ذاته كان يحب السماء وكل ما تبدعه الأرض من لون أصفر.‏

حين ينهي لوحة لمحبوبته بخطوطه البسيطة المعبرة المشذبة.‏

يقول هامساً لها: كم من الصعب أن نقوم بأشياء سهلة ويشرح لها قائلاً: الرسم تطريز... وحين تصارحه تقول له: أضعت حياتك سدى فيقول لها باطمئنان غريب ومريب: لا تعرفين كم كلامك صحيح وتحت الشمس الريفية الساطعة يقرُّ قائلاً: إننا أوفياء مع الكل أو لا نكون.‏

خلال دقيقة واحدة يسطع فان كوخ وينطفىء مرات عدة. روحه المبللة بطموحات وآمال متكسرة تعقد خريطة حياته وتزعزع أي صلابة محتملة.‏

ليس عبثاً أن مخرج الفيلم اختار لموضوع فيلمه فصلاً واحداً من حياة كوخ لأنه الفصل الأشهر في حياته رغم أن الفيلم بدا «تفريغاً» للأشهر الأخيرة قبيل انتحاره وسرداً تقوم به العدسة دون إضافات أو لمسات خاصة من المخرج لعله النص وحده استطاع القيام بمهمة تعريفنا على فان كوخ أكثر.‏

كان يواسي نفسه في حقل القمح وقربه يشعر بأنه رابط الجأش، يبدو مثل طفل متعلقاً بتلك البزة الأنيقة التي ترتديها الأرض في أول الصيف... وحين يأتي ويجده محصوداً يطلق على نفسه الرصاص فلعب حقل القمح دوراً مباشراً في النهاية رغم كثرة وتعدد الأسباب غير المباشرة.‏

بالتأكيد: إن فان كوخ حين وصل أواخر شهر أيار 1890 إلى أوفير سورواز الطبيب، ليضرب له القدر موعداً مع الحب واليأس بوقت واحد. رغم ذلك كانت هذه المرحلة هي الأكثر خصباً، إذ إنه أنجز فيها نحو مئة لوحة استلهم عوالمها وهو متنقل بين مارغريت البرجوازية وكاتي العاهرة، حيث الخيط الواهي الذي ربط بينهما ولحق به كوخ ووصل إلى موته الشهير.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية